نام کتاب : الميزان في تفسير القرآن نویسنده : العلامة الطباطبائي جلد : 5 صفحه : 375
ويكونوا في مأمن من إصابة الدائرة على أي واحدة من الفئتين المتخاصمتين
دارت.
وما ذكروه لا
يلائم سياق الآيات فإنها تتضمن رجاء أن يندموا بفتح أو أمر من عنده ، والفتح فتح
مكة أو فتح قلاع اليهود وبلاد النصارى أو نحو ذلك على ما قالوا ولا وجه لندمهم على
هذا التقدير فإنهم احتاطوا في أمرهم بحفظ الجانبين ، ولا ندامة في الاحتياط ،
وإنما كان يصح الندم لو انقطعوا من المؤمنين بالمرة واتصلوا باليهود والنصارى ثم
دارت الدائرة عليهم ، وكذا ما ذكره الله تعالى من حبط أعمالهم وصيرورتهم خاسرين
بقوله : « حَبِطَتْ
أَعْمالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خاسِرِينَ » لا يلائم كونهم هم المنافقين الآخذين بالحائطة
لمنافعهم ومطالبهم إذ لا معنى لخسران من احتاط بحائطة اتقاء من مكروه يخافه على
نفسه ثم صادف إن لم يقع ما كان يخاف وقوعه ، والاحتياط في العمل من الطرق
العقلائية التي لا تستتبع لوما ولا ذما.
إلا أن يقال :
إن الذم إنما لحقهم لأنهم عصوا النهي الإلهي ولم تطمئن قلوبهم بما وعده الله من
الفتح ، وهذا وإن كان لا بأس به في نفسه لكن لا دليل عليه من جهة لفظ الآية.
قوله تعالى : « فَعَسَى اللهُ أَنْ
يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلى ما أَسَرُّوا
فِي أَنْفُسِهِمْ نادِمِينَ » لفظة « عسى » وإن كان في كلامه تعالى للترجي كسائر الكلام ـ على ما قدمنا
أنه للترجي العائد إلى السامع أو إلى المقام ـ لكن القرينة قائمة على أنه مما سيقع
قطعا فإن الكلام مسوق لتقرير ما ذكره بقوله : « إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ
الظَّالِمِينَ » وتثبيت صدقه ، فما يشتمل عليه واقع لا محالة.
والذي ذكره
الله تعالى من الفتح ـ وقد ردد بينه وبين أمر من عنده غير بين المصداق بل الترديد
بينه وبين أمر مجهول لنا ـ لعله يؤيد كون اللام في « بِالْفَتْحِ » للجنس لا للعهد حتى يكون المراد به فتح مكة المعهود
بوعد وقوعه في مثل قوله تعالى : «
إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ » : ( القصص : ٨٥ ) وقوله : « لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ
شاءَ اللهُ » ( الفتح : ٢٧ ) وغير ذلك.
والفتح الواقع
في القرآن وإن كان المراد به في أكثر موارده هو فتح مكة لكن بعض الموارد لا يقبل
الحمل على ذلك كقوله تعالى : «
وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ
لا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمانُهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ
وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ » ( السجدة : ٣٠ ) فإنه تعالى وصف هذا الفتح بأنه لا
ينفع عنده الإيمان لمن كان كافرا قبله ، وأن الكفار ينتظرونه ، وأنت تعلم أنه لا
ينطبق على فتح مكة ولا على سائر الفتوحات التي
نام کتاب : الميزان في تفسير القرآن نویسنده : العلامة الطباطبائي جلد : 5 صفحه : 375