فكل ما تصرف
فيه الإنسان للسلوك به إلى حضرة القرب من الله وابتغاء مرضاته فهو نعمة ، وإن
انعكس الأمر عاد نقمة في حقه ، فالأشياء في نفسها عزل ، وإنما هي نعمة لاشتمالها
على روح العبودية ، ودخولها من حيث التصرف المذكور تحت ولاية الله التي هي تدبير
الربوبية لشئون العبد ، ولازمه أن النعمة بالحقيقة هي الولاية الإلهية ، وأن الشيء
إنما يصير نعمة إذا كان مشتملا على شيء منها ، قال تعالى : « اللهُ وَلِيُّ
الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ » : ( البقرة : ٢٥٧ ) ، وقال تعالى : « ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ
مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ » : ( محمد : ١١ ) وقال في حق رسوله : « فَلا وَرَبِّكَ لا
يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي
أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً » : ( النساء : ٦٥ ) إلى غير ذلك.
فالإسلام وهو
مجموع ما نزل من عند الله سبحانه ليعبده به عباده دين ، وهو من جهة اشتماله ـ من
حيث العمل به ـ على ولاية الله وولاية رسوله وأولياء الأمر بعده نعمة.
ولا يتم ولاية
الله سبحانه أي تدبيره بالدين لأمور عباده إلا بولاية رسوله ، ولا ولاية رسوله إلا
بولاية أولي الأمر من بعده ، وهي تدبيرهم لأمور الأمة الدينية بإذن من الله قال
تعالى : « يا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي
الْأَمْرِ مِنْكُمْ » ( النساء : ٥٩ ) وقد مر الكلام في معنى الآية ، وقال : « إِنَّما وَلِيُّكُمُ
اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ
وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ » : ( المائدة : ٥٥ ) وسيجيء الكلام في معنى الآية إن
شاء الله تعالى.
فمحصل معنى الآية
: اليوم ـ وهو اليوم الذي يئس فيه الذين كفروا من دينكم ـ أكملت لكم مجموع المعارف
الدينية التي أنزلتها إليكم بفرض الولاية ، وأتممت عليكم نعمتي وهي الولاية التي
هي إدارة أمور الدين وتدبيرها تدبيرا إلهيا ، فإنها كانت إلى اليوم ولاية الله
ورسوله ، وهي أنما تكفي ما دام الوحي ينزل ، ولا تكفي لما بعد ذلك من زمان انقطاع
الوحي ، ولا رسول بين الناس يحمي دين الله ويذب عنه بل من الواجب أن ينصب من يقوم
بذلك ، وهو ولي الأمر بعد رسول الله صلىاللهعليهوآله القيم على أمور الدين والأمة.
فالولاية
مشروعة واحدة ، كانت ناقصة غير تامة حتى إذا تمت بنصب ولي الأمر
نام کتاب : الميزان في تفسير القرآن نویسنده : العلامة الطباطبائي جلد : 5 صفحه : 181