قوله تعالى : « لا يُحِبُّ اللهُ
الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ » ، قال الراغب في مادة « جهر » يقال لظهور الشيء بإفراط لحاسة البصر أو حاسة السمع ،
أما البصر فنحو رأيته جهارا ، قال الله تعالى : « لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ
جَهْرَةً » « أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً »
ـ إلى أن قال ـ وأما
السمع فمنه قوله تعالى : «
سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ ». والسوء من القول كل كلام يسوء من قيل فيه كالدعاء
عليه ، وشتمه بما فيه من المساوئ والعيوب وبما ليس فيه ، فكل ذلك لا يحب الله
الجهر به وإظهاره ، ومن المعلوم أنه تعالى منزه من الحب والبغض على حد ما يوجد
فينا معشر الإنسان وما يجانسنا من الحيوان ، إلا أنه لما كان الأمر والنهي عندنا
بحسب الطبع صادرين عن حب وبغض كني بهما عن الإرادة والكراهة وعن الأمر والنهي.
فقوله « لا يُحِبُّ اللهُ
الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ » كناية عن الكراهة التشريعية أعم من التحريم والإعانة.
وقوله « إِلَّا مَنْ ظُلِمَ » استثناء منقطع أي لكن من ظلم لا بأس بأن يجهر بالسوء
من القول فيمن ظلمه من حيث ظلم ، وهذه هي القرينة على أنه إنما يجوز له الجهر
بالسوء من القول يبين فيه ما ظلمه ، ويظهر مساوئه التي فيه مما ظلمه به ، وأما
التعدي إلى غيره مما ليس فيه ، أو ما لا يرتبط بظلمه فلا دليل على جواز الجهر به
من الآية.
والمفسرون وإن
اختلفوا في تفسير السوء من القول فمن قائل إنه الدعاء عليه ، ومن قائل إنه ذكر
ظلمه وما تعدى به عليه وغير ذلك إلا أن الجميع مشمول لإطلاق الآية
نام کتاب : الميزان في تفسير القرآن نویسنده : العلامة الطباطبائي جلد : 5 صفحه : 123