نام کتاب : الميزان في تفسير القرآن نویسنده : العلامة الطباطبائي جلد : 5 صفحه : 118
والآية ـ كما
ترى ـ تنهى المؤمنين عن الاتصال بولاية الكفار وترك ولاية المؤمنين ، ثم الآية
الثانية تعلل ذلك بالوعيد الشديد المتوجه إلى المنافقين ، وليس إلا أن الله سبحانه
يعد هذا الصنيع نفاقا يحذر المؤمنين من الوقوع فيه.
والسياق يدل
على أن قوله « يا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا » ، كالنتيجة المستنتجة مما تقدم أو الفرع المتفرع عليه
، وهذا كالصريح في أن الآيات السابقة إنما تتعرض لحال مرضى القلوب وضعفاء الإيمان
من المؤمنين ويسميهم المنافقين ، ولا أقل من شمولها لهم ثم يعظ المؤمنين أن لا
يقربوا هذا الحمى ولا يتعرضوا لسخط الله ، ولا يجعلوا الله تعالى على أنفسهم حجة
واضحة فيضلهم ويخدعهم ويذبذبهم في الحياة الدنيا ، ثم يجمع بينهم وبين الكافرين في
جهنم جميعا ، ثم يسكنهم في أسفل درك من النار ، ويقطع بينهم وبين كل نصير ينصرهم ،
وشفيع يشفع لهم.
ويظهر من
الآيتين أولا : أن الإضلال والخدعة وكل سخط إلهي من هذا القبيل إنما عن حجة واضحة
تعطيها أعمال العباد ، فهي إخزاء على طريق المقابلة والمجازاة ، وحاشا الجناب
الإلهي أن يبدأهم بالشر والشقوة من غير تقدم ما يوجب ذلك من قبلهم ، فقوله « أَتُرِيدُونَ أَنْ
تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً مُبِيناً »؟يجري مجرى قوله « وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ » : ( البقرة : ٢٦ ).
وثانيا : أن في
النار لأهلها مراتب تختلف في السفالة ، ولا محالة يشتد بحسبها عذابهم يسميها الله
تعالى بالدركات.
قوله تعالى : « إِلَّا الَّذِينَ
تابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ » استثناء من الوعيد الذي ذكر في المنافقين بقوله : « إِنَّ الْمُنافِقِينَ
فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ » (الآية) ولازم ذلك خروجهم من جماعة المنافقين ،
ولحوقهم بصف المؤمنين ، ولذلك ذيل الاستثناء بذكر كونهم مع المؤمنين ، وذكر ثواب
المؤمنين جميعا فقال تعالى : « فَأُولئِكَ
مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً ».
وقد وصف الله
هؤلاء الذين استثناهم من المنافقين بأوصاف عديدة ثقيلة ، وليست تنبت أصول النفاق
وأعراقه إلا بها ، فذكر التوبة وهي الرجوع إلى الله تعالى ، ولا ينفع الرجوع
والتوب وحده حتى يصلحوا كل ما فسد منهم من نفس وعمل ، ولا ينفع الإصلاح
نام کتاب : الميزان في تفسير القرآن نویسنده : العلامة الطباطبائي جلد : 5 صفحه : 118