نام کتاب : الميزان في تفسير القرآن نویسنده : العلامة الطباطبائي جلد : 4 صفحه : 80
مدار الإيمان والكفر اللذين هما أمران اختياريان لهم ، وهذا من لطائف
الحقائق القرآنية التي تنشعب منها كثير من أسرار التوحيد ، ويدل عليها قوله تعالى
: ( وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ
هُوَ مُوَلِّيها فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ ) : البقرة ١٤٨ ، إذا انضم إلى قوله : ( وَلكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ
فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ ) : المائدة ٤٨ ، وسيجيء إشباع الكلام فيها في قوله تعالى
: ( لِيَمِيزَ اللهُ
الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلى بَعْضٍ ) الآية الأنفال ٣٧.
وثالثا : أن
الإيمان بالله ورسله مادة لطيب الحياة وهو طيب الذات ، وأما الأجر فيتوقف على
التقوى والعمل الصالح ، ولذلك ذكر تعالى أولا حديث الميز بين الطيب والخبيث ثم فرع
عليه قوله : ( فَآمِنُوا بِاللهِ
وَرُسُلِهِ ) ، ثم لما أراد ذكر الأجر أضاف التقوى إلى الإيمان فقال
: ( وَإِنْ تُؤْمِنُوا
وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ ).
وبذلك يتبين في
قوله تعالى : ( مَنْ عَمِلَ صالِحاً
مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً
وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ ) : « النحل : ٩٧ » ، إن الإحياء المذكور ثمرة الإيمان
متفرع عليه ، والجزاء بالأجر متفرع على العمل الصالح فالإيمان روح الحياة الطيبة ،
وأما بقاؤها حتى يترتب عليها آثارها فيحتاج إلى العمل الصالح كالحياة الطبيعية
التي تحتاج في تكونها وتحققها إلى روح حيواني ، وبقاؤها يحتاج إلى استعمال القوى
والأعضاء ، ولو سكنت الجميع بطلت وأبطلت الحياة.
وقد كرر لفظ
الجلالة مرات في الآية ، والثلاثة الأواخر من وضع الظاهر موضع المضمر وليس إلا
للدلالة على مصدر الجلال والجمال في أمور لا يتصف بها إلا هو بألوهيته وهو
الامتحان ، والاطلاع على الغيب ، واجتباء الرسل ، وأهلية الإيمان به.
قوله تعالى : « وَلا يَحْسَبَنَّ
الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ » الآية ، لما بين حال إملاء الكافرين وكان الحال في
البخل بالمال وعدم إنفاقه في سبيل الله مثله ، فإن البخيل فرح فخور بما يجمعه من
المال عطف تعالى الكلام إليهم وبين أنه شر لهم ، وفي التعبير عن المال بقوله : ( بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ ) إشعار بوجه لومهم وذمهم ، وقوله : (سَيُطَوَّقُونَ) إلخ في مقام التعليل لكون البخل شرا لهم ، وقوله : ( وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ ) ، الظاهر أنه حال من يوم القيامة ، وكذا قوله : ( وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ).
نام کتاب : الميزان في تفسير القرآن نویسنده : العلامة الطباطبائي جلد : 4 صفحه : 80