نام کتاب : الميزان في تفسير القرآن نویسنده : العلامة الطباطبائي جلد : 4 صفحه : 416
وكانت عرب المدينة تحترمهم ، وتعظم أمرهم من قديم عهدهم فكانوا يلقون إليهم
من باطل القول ومضلات الأحاديث ما يبطل به صادق إرادتهم ، وينتقض به مبرم جدهم ،
ومن جانب آخر كانوا يشجعون المشركين عليهم ، ويطيبون نفوسهم في مقاومتهم ، والبقاء
والثبات على كفرهم وجحودهم ، وتفتين من عندهم من المؤمنين.
فالآيات
السابقة كالمسوقة لإبطال كيد اليهود للمسلمين ، وإمحاء آثار إلقاءاتهم على
المؤمنين ، وما في هذه الآيات من حديث المنافقين هو كتتميم إرشاد المؤمنين ،
وتكميل تعريفهم حاضر الحال ليكونوا على بصيرة من أمرهم ، وعلى حذر من الداء
المستكن الذي دب في داخلهم ، ونفذ في جمعهم ، وليبطل بذلك كيد أعدائهم الخارجين
المحيطين بهم ، ويرتد أنفاسهم إلى صدورهم ، وليتم نور الدين في سطوعه ، والله متم
نوره ولو كره المشركون والكافرون.
قوله تعالى : « يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُباتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً » الحذر بالكسر فالسكون ما يحذر به وهو آلة الحذر كالسلاح ،
وربما قيل : إنه مصدر كالحذر بفتحتين ، والنفر هو السير إلى جهة مقصودة ، وأصله الفزع ، فالنفر من محل
السير فزع عنه وإلى محل السير فزع إليه ، والثبات جمع ثبة ، وهي الجماعة على تفرقة ، فالثبات الجماعة بعد
الجماعة بحيث تتفصل ثانية عن أولى ، وثالثة عن ثانية ، ويؤيد ذلك مقابلة قوله : « فَانْفِرُوا ثُباتٍ » قوله : « أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً ».
والتفريع في
قوله : ( فَانْفِرُوا ثُباتٍ ) ، على قوله : ( خُذُوا حِذْرَكُمْ ) ، بظاهره يؤيد كون المراد بالحذر ما به الحذر على أن
يكون كناية عن التهيؤ التام للخروج إلى الجهاد ويكون المعنى : خذوا أسلحتكم أي
أعدوا للخروج واخرجوا إلى عدوكم فرقة فرقة ( سرايا ) أو اخرجوا إليهم جميعا (
عسكرا ).
ومن المعلوم أن
التهيؤ والإعداد يختلف باختلاف عدة العدو وقوته فالترديد في قوله : أو انفروا ،
ليس تخييرا في كيفية الخروج وإنما الترديد بحسب تردد العدو من حيث العدة والقوة أي
إذا كان عددهم قليلا فثبة ، وإن كان كثيرا فجميعا.
فيئول المعنى ـ
وخاصة بملاحظة الآية التالية : ( وَإِنَّ مِنْكُمْ
لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَ ) ، ـ إلى نهيهم عن أن يضعوا أسلحتهم ، وينسلخوا عن الجد
وبذل الجهد في أمر الجهاد فيموت عزمهم ويفتقد نشاطهم في إقامة أعلام الحق ،
ويتكاسلوا أو يتبطئوا أو يتثبطوا في قتال أعداء الله ، وتطهير الأرض من قذارتهم.
نام کتاب : الميزان في تفسير القرآن نویسنده : العلامة الطباطبائي جلد : 4 صفحه : 416