وقوع الآيات عقيب الآيات المرتبطة بأمر عيسى
عليهالسلام يفيد أنها بمنزلة
الفصل الثاني من الاحتجاج على برائة ساحة المسيح مما يعتقده في حقه أهل الكتاب من النصارى
، والكلام بمنزلة قولنا : إنه ليس كما تزعمون فلا هو رب ولا أنه ادعى لنفسه الربوبية
، أما الأول : فلأنه مخلوق بشري حملته امه ووضعته وربته في المهد غير أنه لا أب له
كآدم عليهماالسلام فمثله عند الله
كمثل آدم ، وأما الثاني : فلأنه كان نبياً أوتي الكتاب والحكم والنبوة ؛ والنبي الذي
هذا شأنه لا يعدو طور العبودية ولا يتعرى عن زي الرقية فكيف يتأتى أن يقول للناس اتخذوني
رباً وكونوا عباداً لي من دون الله ، أو يجوز ذلك في حق غيره من عباد الله من ملك أو
نبي فيعطي لعبد من عباد الله ما ليس له بحق ، أو ينفي عن نبي من الأنبياء ما أثبت الله
في حقه من الرسالة فيأخذ منه ما هو له من الحق.
قوله
تعالى :(مَا كَانَ لِبَشَرٍ
أَن يُؤْتِيَهُ اللّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ
لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَاداً لِّي مِن دُونِ اللّهِ) ، البشر مرادف للإنسان ، ويطلق على الواحد
والكثير فالإنسان الواحد بشر كما أن الجماعة منه بشر.
وقوله : ما كان لبشر ، اللام للملك أي لا
يملك ذلك أي ليس له بحق كقوله تعالى : ( ما يكون لنا أن نتكلم
بهذا )
النور ـ ١٦ ، وقوله : ( وما كان لنبي أن يغل ) آل عمران ـ ١٦١.
وقوله تعالى : (أَن
يُؤْتِيَهُ اللّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ) ، اسم كان إلا أنه توطئة لما يتبعه من قوله
: ثم يقول للناس ، وذكر هذه التوطئة مع صحة المعنى بدونها ظاهراً يفيد وجهاً آخر لمعنى
قوله : ما كان لبشر ، فإنه لو قيل : ما كان لبشر أن يقول للناس ، كان معناه أنه لم
يشرع له هذا الحق وإن أمكن أن يقول ذلك فسقاً وعتواً ، ولكنه
نام کتاب : الميزان في تفسير القرآن نویسنده : العلامة الطباطبائي جلد : 3 صفحه : 274