نام کتاب : الميزان في تفسير القرآن نویسنده : العلامة الطباطبائي جلد : 3 صفحه : 22
على أن كل من يرعى نظره في آيات القرآن من
أوله إلى آخره لا يشك في أن ليس بينها آية لها مدلول وهي لا تنطق بمعناها وتضل في مرادها
، بل ما من آية إلا وفيها دلالة على المدلول : إما مدلول واحد لا يرتاب فيه العارف
بالكلام ، أو مداليل يلتبس بعضها ببعض ، وهذه المعاني الملتبسة لا تخلو عن حق المراد
بالضرورة وإلا بطلت الدلالة كما عرفت ، وهذا المعنى الواحد الذي هو حق المراد لا محالة
لا يكون أجنبياً عن الاصول المسلمة في القرآن كوجود الصانع وتوحيده وبعثة الأنبياء
وتشريع الأحكام والمعاد ونحو ذلك ، بل هو موافق لها وهي تستلزمه وتنتجه وتعين المراد
الحق من بين المداليل المتعددة المحتملة ، فالقرآن بعضه يبين بعضاً ، وبعضه أصل يرجع
إليه البعض الآخر.
ثم إن هذا الناظر إذا عثر بعد هذه النظرة
على قوله تعالى : (مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ
وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ )
لم يشك في أن المراد بالمحكمات هي الآيات المتضمنة للاصول المسلمة من القرآن وبالمتشابهات
الآيات التي تتعين وتتضح معانيها بتلك الاصول.
فان
قلت : رجوع الفروع إلى الاصول مما لا ريب فيه
فيما كان هناك اصول متعرقة وفروع متفرقة سواء فيه المعارف القرآنية وغيرها ، لكن ذلك
لا يستوجب حصول التشابه ، فما وجه ذلك؟.
قلت
: وجهه أحد أمرين ، فإن المعارف التي يلقيها
القرآن على قسمين : فمنها معارف عالية خارجة عن حكم الحس والمادة ، والافهام العادية
لا تلبث دون أن تتردد فيها بين الحكم الجسماني الحسي وبين غيره كقوله تعالى : (إِنَّ رَبَّكَ
لَبِالْمِرْصَادِ)
الفجر ـ ١٤ وقوله تعالى : (وَجَاء رَبُّكَ ) الفجر ـ ٢٢ فيتبادر منها إلى الذهن المستأنس
بالمحسوس من الاحكام معان هي من اوصاف الاجسام وخواصها ، وتزول بالرجوع إلى الاصول
التي تشتمل على نفي حكم المادة والجسم عن المورد ، وهذا مما يطرد في جميع المعارف والابحاث
غير المادية والغائبة عن الحواس ، ولا يختص بالقرآن الكريم بل يوجد في غيره من الكتب
السماوية بما تشتمل عليه من المعارف العاليه من غير تحريف ، ويوجد أيضاًً في المباحث
الإلهية من الفلسفة ، وهو الذي يشير إليه القرآن بلسان آخر في قوله تعالى : (أَنزَلَ مِنَ
السَّمَاء مَاء فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا الآية
) الرعد ـ ١٧ وقوله
: (إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ
تَعْقِلُونَ وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ ) الزخرف ـ ٤
نام کتاب : الميزان في تفسير القرآن نویسنده : العلامة الطباطبائي جلد : 3 صفحه : 22