في الآيات كرة
بعد كرة بآيات التدبير الدالة على ربوبيته تعالى مقرونة بالإنذار والتخويف أعني
قوله : « هُوَ
الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً » الآية ، وقوله : « أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ » الآية بعد قوله : « الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ » الآية ، وقوله : « الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ » الآية ، وقوله : « وَلَقَدْ زَيَّنَّا » الآية.
قوله
تعالى : « هُوَ الَّذِي جَعَلَ
لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَناكِبِها وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ
وَإِلَيْهِ النُّشُورُ » الذلول من المراكب ما يسهل ركوبه من غير أن يضطرب ويجمح والمناكب جمع منكب وهو مجتمع ما بين العضد والكتف وأستعير لسطح
الأرض ، قال الراغب : واستعارته للأرض كاستعارة الظهر لها في قوله : « ما تَرَكَ عَلى
ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ » وتسمية الأرض ذلولا وجعل ظهورها مناكب لها يستقر عليها ويمشي فيها
باعتبار انقيادها لأنواع التصرفات الإنسانية من غير امتناع ، وقد وجه كونها ذلولا
ذا مناكب بوجوه مختلفة تؤول جميعها إلى ما ذكرنا.
والأمر في قوله
: « وَكُلُوا
مِنْ رِزْقِهِ » للإباحة والنشور
والنشر إحياء الميت
بعد موته وأصله من نشر الصحيفة والثوب إذا بسطهما بعد طيهما.
والمعنى : هو
الذي جعل الأرض مطاوعة منقادة لكم يمكنكم أن تستقروا على ظهورها وتمشوا فيها
تأكلون من رزقه الذي قدره لكم بأنواع الطلب والتصرف فيها.
وقوله : « وَإِلَيْهِ
النُّشُورُ » أي ويرجع إليه نشر الأموات بإخراجهم من الأرض وإحيائهم للحساب والجزاء ،
واختصاص رجوع النشر به كناية عن اختصاص الحكم بالنشور به والإحياء يوم القيامة فهو
ربكم المدبر لأمر حياتكم الدنيا بالإقرار على الأرض والهداية إلى مآرب الحياة ،
وله الحكم بالنشور للحساب والجزاء.
وفي عد الأرض
ذلولا والبشر على مناكبها تلويح ظاهر إلى ما أدت إليه الأبحاث العلمية
نام کتاب : الميزان في تفسير القرآن نویسنده : العلامة الطباطبائي جلد : 19 صفحه : 357