أي جعل لأجلكم
الليل مظلما لتسكنوا فيه من التعب الذي عرض لكم وجه النهار من جهة السعي في طلب
الرزق ، والنهار مبصرا لتبتغوا من فضل ربكم وتكسبوا الرزق ، وهذا من أركان تدبير
الحياة الإنسانية.
وقد ظهر بذلك
أن نسبة الإبصار إلى النهار من المجاز العقلي لكن ليس من المبالغة في شيء كما
ادعاه بعضهم.
وقوله : « إِنَّ اللهَ لَذُو
فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ » امتنان عليهم بالفضل وتقريع لهم بعدم شكرهم له قبال
هذا الفضل العظيم ولو شكروه لعبدوه ووضع « النَّاسِ » الثاني موضع الضمير للإشارة إلى أن من طبع الناس بما
هم ناس كفران النعم كما قال : « إِنَّ
الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ
» إبراهيم : ـ ٣٤.
قوله تعالى : « ذلِكُمُ اللهُ
رَبُّكُمْ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ » أي ذلكم الذي يدبر أمر حياتكم ورزقكم بسكون الليل وسعي
النهار هو الله تعالى وهو ربكم لأن تدبير أمركم إليه.
وقوله : « خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ » أي ورب كل شيء لأنه خالق كل شيء والخلق لا ينفك عن
التدبير ولازم ذلك أن لا يكون في الوجود رب غيره لا لكم ولا لغيركم ولذلك عقبه
بقوله : « لا إِلهَ
إِلَّا هُوَ » أي فإذن لا معبود بالحق غيره إذ لو كان هناك معبود آخر كان رب آخر فإن
الألوهية من شئون الربوبية.
وقوله : « فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ
» أي فكيف
تصرفون عن عبادته إلى عبادة غيره.
قوله تعالى : « كَذلِكَ يُؤْفَكُ
الَّذِينَ كانُوا بِآياتِ اللهِ يَجْحَدُونَ » أي كمثل هذا الإفك يؤفك الجاحدون لآيات الله فإن
الآيات ظاهرة غير خفية فالانصراف عن مدلولها لا سبب له إلا الجحد.
نام کتاب : الميزان في تفسير القرآن نویسنده : العلامة الطباطبائي جلد : 17 صفحه : 345