فصل ثان من قصة
موسى عليهالسلام فيه ذكر بعض ما وقع بعد بلوغه أشده فأدى إلى خروجه من
مصر وقصده مدين.
قوله
تعالى : « وَدَخَلَ
الْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها » إلخ ، لا ريب أن المدينة التي دخلها على حين غفلة من
أهلها هي مصر ، وأنه كان يعيش عند فرعون ، ويستفاد من ذلك أن القصر الملكي الذي
كان يسكنه فرعون كان خارج المدينة وأنه خرج منه ودخل المدينة على حين غفلة من
أهلها ، ويؤيد ما ذكرنا ما سيأتي من قوله : « وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ
يَسْعى » على ما سيجيء
من الاستظهار.
وحين الغفلة من
أهل المدينة هو حين يدخل الناس بيوتهم فتتعطل الأسواق وتخلو الشوارع والأزقة من
المارة كالظهيرة وأواسط الليل.
وقوله : «فَوَجَدَ فِيها
رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ » أي يتنازعان ويتضاربان ، وقوله : « هذا مِنْ شِيعَتِهِ وَهذا مِنْ عَدُوِّهِ » حكاية حال تمثل به الواقعة ، ومعناه : أن أحدهما كان
إسرائيليا من متبعيه في دينه ـ فإن بني إسرائيل كانوا ينتسبون يومئذ إلى آبائهم
إبراهيم وإسحاق ويعقوب عليهالسلام في دينهم وإن كان لم يبق لهم منه إلا الاسم وكانوا
يتظاهرون بعبادة فرعون ـ والآخر قبطيا عدوا له لأن القبط كانوا أعداء بني إسرائيل
، ومن الشاهد أيضا على كون هذا الرجل قبطيا قوله في موضع آخر يخاطب ربه : « وَلَهُمْ عَلَيَّ
ذَنْبٌ فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ
» الشعراء : ١٤.
وقوله : « فَاسْتَغاثَهُ
الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ » الاستغاثة
: الاستنصار من
الغوث بمعنى النصرة أي طلب الإسرائيلي من موسى أن ينصره على عدوه القبطي.
وقوله : « فَوَكَزَهُ مُوسى
فَقَضى عَلَيْهِ » ضميرا «
فَوَكَزَهُ » و « عَلَيْهِ » للذي من عدوه والوكز ـ على ما ذكره الراغب وغيره ـ الطعن والدفع والضرب بجمع
الكف ،
( ١٦ ـ الميزان
ـ ٢ )
نام کتاب : الميزان في تفسير القرآن نویسنده : العلامة الطباطبائي جلد : 16 صفحه : 17