نام کتاب : الميزان في تفسير القرآن نویسنده : العلامة الطباطبائي جلد : 1 صفحه : 210
ولا ترى رذيلة من
رذائل بني اسرائيل في قسوتهم وجفوتهم مما ذكره القرآن إلا وهو موجود فيهم ، وكيف
كان فأنت إذا تأملت قصص بني اسرائيل المذكورة في القرآن ، وأمعنت فيها ، وما فيها
من أسرار أخلاقهم وجدت أنهم كانوا قوما غائرين في المادة مكبين على ما يعطيه الحس
من لذائذ الحياة الصورية ، فقد كانت هذه الامة لا تؤمن بما وراء الحس ، ولا تنقاد
إلا إلى اللذة والكمال المادي وهم اليوم كذلك. وهذا الشأن هو الذي صير عقلهم
وإرادتهم تحت انقياد الحس والمادة ، لا يعقلون إلا ما يجوزانه ، ولا يريدون إلا ما
يرخصان لهم ذلك فانقياد الحس يوجب لهم أن لا يقبلوا قولا إلا إذا دل عليه الحس ،
وإن كان حقا وانقياد المادة اقتضى فيهم أن يقبلوا كل ما يريده أو يستحسنه لهم
كبراؤهم ممن أوتي جمال المادة ، وزخرف الحياة وإن لم يكن حقا ، فأنتج ذلك فيهم
التناقض قولا وفعلا ، فهم يذمون كل اتباع باسم أنه تقليد وإن كان مما ينبغي إذا
كان بعيدا من حسهم ، ويمدحون كل اتباع باسم أنه حظ الحيوة ، وان كان مما لا ينبغي
إذا كان ملائما لهوساتهم المادية ، وقد ساعدهم على ذلك وأعانهم على مكثهم الممتد وقطونهم
الطويل بمصر تحت إستذلال المصريين ، واسترقاقهم ، وتعذيبهم ، يسومونهم سوء العذاب
ويذبحون أبناءهم ويستحيون نساءهم وفي ذلك بلاء من ربهم عظيم.
وبالجملة فكانوا لذلك صعبة الانقياد لما
يأمرهم به أنبيائهم ، والربانيون من علمائهم مما فيه صلاح معاشهم ومعادهم ( تذكر
في ذلك مواقفهم مع موسى وغيره ) وسريعة اللحوق إلى ما يدعوهم المغرضون والمستكبرون
منهم.
وقد ابتليت الحقيقة والحق اليوم بمثل
هذه البلية بالمدنية المادية التي اتحفها إليها عالم الغرب ، فهي مبنية القاعدة
على الحس والمادة فلا يقبل دليل فيما بعد عن الحس ولا يسأل عن دليل فيما تضمن لذة
مادية حسية ، فأوجب ذلك إبطال الغريزة الانسانية في أحكامهاو ارتحال المعارف
العالية والاخلاق الفاضلة من بيننا فصار يهدد الانسانية بالانهدام ، وجامعة البشر
بأشد الفساد وليعلمن نبأه بعد حين.
واستيفاء البحث في الاخلاق ينتج خلاف
ذلك ، فما كل دليل بمطلوب ، وما كل تقليد بمذموم ، بيان ذلك : أن النوع الانساني
بما أنه إنسان إنما يسير إلى كماله
نام کتاب : الميزان في تفسير القرآن نویسنده : العلامة الطباطبائي جلد : 1 صفحه : 210