النَّخْلَةِ الْيَابِسَةِ فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجاباً قَالَ فِي مِحْرَابِهَا فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا يَعْنِي جَبْرَئِيلَ ع فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا- قالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا يَعْنِي إِنْ كُنْتَ مَنْ يَتَّقِي اللَّهَ قالَ لَهَا جَبْرَئِيلُ إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا فَأَنْكَرَتْ ذَلِكَ لِأَنَّهَا لَمْ يَكُنْ فِي الْعَادَةِ- أَنْ تَحْمِلَ الْمَرْأَةُ مِنْ غَيْرِ فَحْلٍ- فَقَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَ لَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَ لَمْ أَكُ بَغِيًّا وَ لَمْ يَعْلَمْ جَبْرَئِيلُ أَيْضاً كَيْفِيَّةَ الْقُدْرَةِ- فَقَالَ لَهَا كَذلِكِ قالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ- وَ لِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَ رَحْمَةً مِنَّا- وَ كانَ أَمْراً مَقْضِيًّا قَالَ فَنَفَخَ فِي جَيْبِهَا فَحَمَلَتْ بِعِيسَى ع بِاللَّيْلِ- فَوَضَعَتْهُ بِالْغَدَاةِ وَ كَانَ حَمْلُهَا تِسْعَ سَاعَاتٍ مِنَ النَّهَارِ- جَعَلَ اللَّهُ لَهَا الشُّهُورَ سَاعَاتٍ- ثُمَّ نَادَاهَا جَبْرَئِيلُ ع وَ هُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ أَيْ هُزِّي النَّخْلَةَ الْيَابِسَةَ فَهَزَّتْ، وَ كَانَ ذَلِكَ الْيَوْمَ سُوقٌ فَاسْتَقْبَلَهَا الْحَاكَةُ- وَ كَانَتِ الْحِيَاكَةُ أَنْبَلَ صِنَاعَةٍ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ- فَأَقْبَلُوا عَلَى بِغَالٍ شُهْبٍ- فَقَالَتْ لَهُمْ مَرْيَمُ أَيْنَ النَّخْلَةُ الْيَابِسَةُ فَاسَتَهْزَءُوا بِهَا وَ زَجَرُوهَا- فَقَالَتْ لَهُمْ جَعَلَ اللَّهُ كَسْبَكُمْ بَوْراً- وَ جَعَلَكُمْ فِي النَّاسِ عَاراً- ثُمَّ اسْتَقْبَلَهَا قَوْمٌ مِنَ التُّجَّارِ فَدَلُّوهَا عَلَى النَّخْلَةِ الْيَابِسَةِ- فَقَالَتْ لَهُمْ مَرْيَمُ جَعَلَ اللَّهُ الْبَرَكَةَ فِي كَسْبِكُمْ- وَ أَحْوَجَ النَّاسَ إِلَيْكُمْ- فَلَمَّا بَلَغَتِ النَّخْلَةَ أَخَذَهَا الْمَخَاضُ- فَوَضَعَتْ بِعِيسَى ع فَلَمَّا نَظَرَتْ إِلَيْهِ قالَتْ يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا وَ كُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا مَا ذَا أَقُولُ لِخَالِي وَ مَا ذَا أَقُولُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ فَناداها عِيسَى مِنْ تَحْتِها أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا أَيْ نَهَراً وَ هُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ أَيْ حَرِّكِي النَّخْلَةَ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا أَيْ طَيِّباً- وَ كَانَتِ النَّخْلَةُ قَدْ يَبِسَتْ مُنْذُ دَهْرٍ طَوِيلٍ، فَمَدَّتْ يَدَهَا إِلَى النَّخْلَةِ فَأَوْرَقَتْ وَ أَثْمَرَتْ- وَ سَقَطَ عَلَيْهَا الرُّطَبُ الطَّرِيُّ فَطَابَتْ نَفْسُهَا- فَقَالَ لَهَا عِيسَى قَمِّطِينِي وَ سَوِّينِي ثُمَّ افْعَلِي كَذَا وَ كَذَا فَقَمَّطَتْهُ وَ سَوَّتْهُ- وَ قَالَ لَهَا عِيسَى فَكُلِي وَ اشْرَبِي وَ قَرِّي عَيْناً فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً- فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً وَ صَمْتاً كَذَا نَزَلَتْ فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا
فَفَقَدُوهَا فِي الْمِحْرَابِ فَخَرَجُوا فِي طَلَبِهَا- وَ خَرَجَ خَالُهَا