وَ لا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ لَكُمْ دِينُكُمْ وَ لِيَ دِينِ قَالَ فَرَجَعَ أَبُو جَعْفَرٍ الْأَحْوَلُ إِلَى أَبِي شَاكِرٍ فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ- فَقَالَ أَبُو شَاكِرٍ: هَذَا مَا حَمَلَهُ الْإِبِلُ مِنَ الْحِجَازِ، وَ كَانَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع إِذَا فَرَغَ مِنْ قِرَاءَتِهَا يَقُولُ: «دِينِيَ الْإِسْلَامُ ثَلَاثاً.
» (110) سُورَةُ النَّصْرِ مَكِّيَّةٌ [مَدَنِيَّةٌ] آيَاتُهَا ثَلَاثٌ (3)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ- إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَ الْفَتْحُ
قَالَ نَزَلَتْ بِمِنًى[1]
[1]. وَ فِي مَجْمَعِ الْبَيَانِ وَ غَيْرِهِ أَنَّهَا نَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ وَ فِيهَا بِشَارَةٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ ص بِالنَّصْرِ وَ الْفَتْحِ( أَيْ فَتْحِ مَكَّةَ) قَبْلَ وُقُوعِ الْأَمْرِ،( وَ رَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْواجاً) أَيْ جَمَاعَةً بَعْدَ جَمَاعَةٍ قَالَ الْحَسَنُ: لَمَّا فَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ مَكَّةَ قَالَتِ الْعَرَبُ: أَمَّا إِذَا ظَفِرَ مُحَمَّدٌ ص بِأَهْلِ الْحَرَمِ وَ قَدْ أَجَارَهُمُ اللَّهُ مِنْ أَصْحَابِ الْفِيلِ فَلَيْسَ لَكُمْ بِهِ يَدَانِ- أَيْ طَاقَةٌ- فَكَانُوا يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً وَ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ السُّورَةُ وَ قَرَأَهَا عَلَى أَصْحَابِهِ فَفَرِحُوا وَ اسْتَبْشَرُوا وَ سَمِعَهَا الْعَبَّاسُ فَبَكَى، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص: مَا يُبْكِيكَ يَا عَمِّ! فَقَالَ: أَظُنُّ أَنَّهُ قَدْ نُعِيَتْ إِلَيْكَ نَفْسُكَ يَا 14 رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: إِنَّهُ لَكَمَا تَقُولُ، فَعَاشَ بَعْدَهَا سَنَتَيْنِ، مَا رُئِيَ فِيهِمَا ضَاحِكاً مُسْتَبْشِراً( انْتَهَى).
أَقُولُ: وَ هَذَا خِلَافُ مَا فَسَّرَ بِهِ الْقُمِّيُّ( ره) فِي هَذَا التَّفْسِيرِ لِأَنَّهُ قَالَ بِنُزُولِهَا فِي مَكَّةَ فِي حِجَّةِ الْوَدَاعِ فَعَلَيْهِ تَكُونُ السُّورَةُ مَكِّيَّةً دُونَ الْمَدَنِيَّةِ، وَ لَا يَكُونُ الْمُرَادُ حِينَئِذٍ مِنَ النَّصْرِ عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْقُمِّيُّ( ره) هُوَ فَتْحُ مَكَّةَ بَلِ الْمُرَادُ مِنْهُ هُوَ ظُهُورُ الْحُجَّةِ ع وَ الدَّلِيلُ عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْمُصَنِّفُ أَمْرَانِ:
( الْأَوَّلُ) مَا رَوَاهُ فِي الْكَافِي وَ الْعُيُونِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع: أَنَّ أَوَّلَ مَا نَزَلَ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ وَ آخِرَهُ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ، وَ هَذَا يُنَاسِبُ نُزُولَهَا فِي حِجَّةِ الْوَدَاعِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، لَا فِي الْمَدِينَةِ قَبْلَ وَفَاتِهِ بِسَنَتَيْنِ كَمَا ذَكَرَهُ الطَّبْرِسِيُّ( ره) إِذْ نَزَلَ فِي خِلَالِ هَذِهِ الْمُدَّةِ الطَّوِيلَةِ كَثِيرٌ مِنَ الْقُرْآنِ.
( الثَّانِي) مَا رَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْأَصْحَابِ كَالطَّبْرِسِيِّ نَفْسِهِ وَ الْقَاشَانِيِّ مِنْ أَنَّهَا لَمَّا نَزَلَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص نُعِيَتْ إِلَيَّ نَفْسِي، وَ لَا دَلَالَةَ فِيهَا عَلَى النَّعْيِ إِذَا قُلْنَا أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ النَّصْرِ هُوَ فَتْحُ مَكَّةَ، كَمَا اعْتَرَفَ بِهِ الطَّبْرِسِيُّ( ره)، أَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِنُزُولِهَا فِي مَكَّةَ وَ إِرَادَةِ ظُهُورِ الْحُجَّةِ ع مِنَ« النَّصْرِ وَ الدُّخُولِ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً» تَكُونُ فِيهَا جِهَةٌ لِلنَّعْيِ أَيْضاً، إِذْ كَانَ الْمَعْنَى حِينَئِذٍ أَنَّهُ يَا مُحَمَّدُ! قَدِ انْقَضَتْ أَيَّامُكُمْ وَ انْتَهَتْ فُتُوحُكَ كُلُّهَا لِأَنَّهُ بَعْدَ هَذَا فَتْحٌ كَبِيرٌ لِوَلَدِكَ الْقَائِمِ الَّذِي وَعَدْنَاهُ لَكَ ج. ز