المجازاة و المكافاة و أما قوله وَ السَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ
قَالَ فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا ع قَالَ قُلْتُ لَهُ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِ اللَّهِ وَ السَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ، فَقَالَ هِيَ: مَحْبُوكَةٌ[1] إِلَى الْأَرْضِ وَ شَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ.
فَقُلْتُ: كَيْفَ تَكُونُ مَحْبُوكَةً إِلَى الْأَرْضِ- وَ اللَّهُ يَقُولُ رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ! أَ لَيْسَ اللَّهُ يَقُولُ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها فَقُلْتُ بَلَى- فَقَالَ ثَمَّ عَمَدٌ وَ لَكِنْ لَا تَرَوْنَهَا- قُلْتُ كَيْفَ ذَلِكَ جَعَلَنِيَ اللَّهُ فِدَاكَ- فَبَسَطَ كَفَّهُ الْيُسْرَى ثُمَ
[1]. مَعْنَى الْحُبُكِ لُغَةً شَدُّ شَيْءٍ بِشَيْءٍ وَ مِنْهُ« الْحُبْكَةُ» وَ هِيَ مَا يُشَدُّ بِهِ الْوَسَطُ، وَ« الْحِبَاكُ» وَ هِيَ الْحَظِيرَةُ الَّتِي تَشُدُّ بِقَصَبَاتٍ، فَالْمَقْصُودُ مِنَ الْآيَةِ الشَّرِيفَةِ كَمَا بَيَّنَهُ الْإِمَامُ ع أَنَّ الْعَرْشَ وَ مَا بَعْدَهُ مِنَ السَّمَاوَاتِ إِلَى أَرْضِنَا هَذِهِ كُلَّهُ مَشْدُودٌ بِالْقُوَّةِ الْجَاذِبَةِ، بِحَيْثُ لَوْلَاهَا لَتَصَادَمَتِ السَّمَاوَاتُ وَ الْأَرَضُونَ فِيمَا بَيْنَهُنَّ وَ هَذِهِ الْقُوَّةُ كَالْأُسْطُوَانَةِ لَكِنَّنَا لَا نَرَاهَا كَمَا قَالَ عَزَّ اسْمُهُ: وَ رَفَعَ السَّمَاءَ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها.
وَ قَبْلَ مُدَّةٍ، كَانَ مِنْ مَذْهَبِ الْفَلَاسِفَةِ خِلْوُ الْجَوِّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَ الْأَرْضِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وُجُودِيٍّ وَ عَبَّرُوهُ بِ« الْخَلَاءِ» وَ لَكِنْ لَمَّا حَانَ عَصْرُ الصَّارُوخِ أَبْطَلَتْ هَذِهِ الْفِكْرَةُ عَمَلِيّاً، لِأَنَّ صُعُودَ الصَّارُوخِ لَا يُمْكِنُ بِدُونِ شَيْءٍ مَوْجُودٍ فِي الْجَوِّ إِذْ هُوَ يَرْمِي مَادَّةً نَارِيَّةً إِلَى تَحْتِهِ وَ مِنْ أَجْلِ اصْطِكَاكِهَا بِالْفَضَاءِ تُوجَدُ اهْتِزَازَاتٌ فِي الصَّارُوخِ فَتَتَصَاعَدُ إِلَى فَوْقُ وَ هَذَا دَلِيلٌ عَمَلِيٌّ عَلَى أَنَّ هُنَاكَ اتِّصَالاتٍ مَادِّيَّةً مِنْ كُلِّ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ وَ لَا وُجُودَ لِلْخَلَاءِ الْمَحْضِ كَمَا فَرَضُوهُ سَابِقاً فَهُوَ مِمَّا نَطَقَ بِهِ الْإِمَامُ الرِّضَا ع قَبْلَ الِاسْتِكْشَافَاتِ الْجَدِيدَةِ بِأَلْفِ عَامٍ أَوْ أَزْيَدَ بِقَوْلِهِ« فَهِيَ مَحْبُوكَةٌ إِلَى الْأَرْضِ» ثُمَّ لِمَزِيدِ إِيضَاحِ هَذَا الْمَعْنَى شَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ كَمَا فِي الْخَبَرِ. ج. ز