يَا مُحَمَّدُ تَرَكْتَ قَوْمَكَ وَ قَدْ ضَرَبُوا الْأَبْنِيَةَ- وَ أَخْرَجُوا الْعَوْدَ الْمَطَافِيلَ[1] يَحْلِفُونَ بِاللَّاتِ وَ الْعُزَّى لَا يَدَعُوكَ تَدْخُلُ مَكَّةَ فَإِنَّ مَكَّةَ حَرَمُهُمْ وَ فِيهِمْ عَيْنٌ تَطْرِفُ- أَ فَتُرِيدُ أَنْ تُبِيدَ أَهْلَكَ وَ قَوْمَكَ يَا مُحَمَّدُ! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص: مَا جِئْتُ لِحَرْبٍ وَ إِنَّمَا جِئْتُ لِأَقْضِيَ نُسُكِي- فَأَنْحَرَ بُدْنِي وَ أُخَلِّيَ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَ لَحَمَاتِهَا، فَقَالَ عُرْوَةُ: بِاللَّهِ مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ أَحَداً صُدَّ كَمَا صُدِدْتَ، فَرَجَعَ إِلَى قُرَيْشٍ وَ أَخْبَرَهُمْ- فَقَالَتْ قُرَيْشٌ وَ اللَّهِ لَئِنْ دَخَلَ مُحَمَّدٌ مَكَّةَ وَ تَسَامَعَتْ بِهِ الْعَرَبُ لَنَذِلَّنَّ وَ لَتَجْتَرِيَنَّ عَلَيْنَا الْعَرَبُ.
فَبَعَثُوا حَفْصَ بْنَ الْأَحْنَفِ وَ سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِمَا رَسُولُ اللَّهِ ص قَالَ: وَيْحَ قُرَيْشٍ قَدْ نَهَكَتْهُمُ الْحَرْبُ- أَ لَا خَلَّوْا بَيْنِي وَ بَيْنَ الْعَرَبِ فَإِنْ أَكُ صَادِقاً فَإِنَّمَا أَجْرُ الْمُلْكِ إِلَيْهِمْ مَعَ النُّبُوَّةِ- وَ إِنْ أَكُ كَاذِباً كَفَتْهُمْ ذُؤْبَانُ الْعَرَبِ لَا يَسْأَلُنِي الْيَوْمَ امْرُؤٌ مِنْ قُرَيْشٍ خُطَّةً- لَيْسَ لِلَّهِ فِيهَا سَخَطٌ إِلَّا أَجَبْتُهُمْ إِلَيْهِ، قَالَ: فَوَافَوْا رَسُولَ اللَّهِ ص فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ أَ لَا تَرْجِعُ عَنَّا عَامَكَ هَذَا- إِلَى أَنْ نَنْظُرَ إِلَى مَا ذَا يَصِيرُ أَمْرُكَ وَ أَمْرُ الْعَرَبِ فَإِنَّ الْعَرَبَ قَدْ تَسَامَعَتْ بِمَسِيرِكَ- فَإِنْ دَخَلْتَ بِلَادَنَا وَ حَرَمَنَا اسْتَذَلَّتْنَا الْعَرَبُ وَ اجْتَرَأَتْ عَلَيْنَا- وَ نُخَلِّي لَكَ الْبَيْتَ فِي الْعَامِ الْقَابِلِ فِي هَذَا الشَّهْرِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ حَتَّى تَقْضِيَ نُسُكَكَ وَ تَنْصَرِفَ عَنَّا- فَأَجَابَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ص إِلَى ذَلِكَ وَ قَالُوا لَهُ وَ تَرُدُّ إِلَيْنَا كُلَّ مَنْ جَاءَكَ مِنْ رِجَالِنَا- وَ نَرُدُّ إِلَيْكَ كُلَّ مَنْ جَاءَنَا مِنْ رِجَالِكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص: مَنْ جَاءَكُمْ مِنْ رِجَالِنَا فَلَا حَاجَةَ لَنَا فِيهِ- وَ لَكِنْ عَلَى أَنَّ الْمُسْلِمِينَ بِمَكَّةَ لَا يُؤْذَوْنَ فِي إِظْهَارِهِمُ الْإِسْلَامَ وَ لَا يُكْرَهُونَ- وَ لَا يُنْكَرُ عَلَيْهِمْ شَيْءٌ يَفْعَلُونَهُ مِنْ شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ، فَقَبِلُوا ذَلِكَ فَلَمَّا أَجَابَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ص إِلَى الصُّلْحِ أَنْكَرَ عَامَّةُ أَصْحَابِهِ وَ أَشَدُّ مَا كَانَ إِنْكَاراً فُلَانٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَ لَسْنَا عَلَى الْحَقِّ وَ عَدُوُّنَا عَلَى الْبَاطِلِ فَقَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَنُعْطَى الذِّلَّةَ [الدَّنِيَّةَ] فِي دِينِنَا!
[1]. عَوْدٌ كَطَوْدٍ الْمُسِنُّ. مَطَافِيلُ ذَوَاتُ أَطْفَالٍ. ج. ز