فَغَفَرْنا لَهُ ذلِكَ وَ إِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى وَ حُسْنَ مَآبٍ[1]
[1]. قَالَ جَدِّي السَّيِّدُ الْجَزَائِرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي قِصَصِ الْأَنْبِيَاءِ: إِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مَحْمُولٌ عَلَى التَّقِيَّةِ لِمُوَافَقَةِ مَذْهَبِ الْعَامَّةِ وَ رِوَايَاتِهِمْ وَ عَدَمِ مُنَافَاتِهِ لِقَوَاعِدِهِمْ مِنْ جَوَازِ مِثْلِهِ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ. وَ الْأَخْبَارُ الْوَارِدَةُ بِرَدِّهِ كَثِيرَةٌ مِنْ طُرُقِنَا فَلَا مَجَالَ لِتَأْوِيلِهِ إِلَّا الْحَمْلُ عَلَى التَّقِيَّةِ. فَعَنْ عُيُونِ الْأَخْبَارِ بِإِسْنَادِهِ إِلَى أَبِي الصَّلْتِ الْهَرَوِيِّ قَالَ: سَأَلَ الرِّضَا ع عَلِيَّ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ الْجَهْمِ فَقَالَ مَا يَقُولُ مَنْ قِبَلَكُمْ فِي دَاوُدَ ع فَقَالَ يَقُولُونَ إِنَّ دَاوُدَ كَانَ فِي مِحْرَابِهِ يُصَلِّي إِذْ تَصَوَّرَ لَهُ إِبْلِيسُ عَلَى صُورَةِ طَيْرٍ- إِلَى آخِرِ الرِّوَايَةِ-.
قَالَ: فَضَرَبَ عَلَى جَبْهَتِهِ وَ قَالَ: إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ لَقَدْ نَسَبْتُمْ نَبِيّاً مِنْ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ عَلَى التَّهَاوُنِ بِصَلَاتِهِ حِينَ خَرَجَ فِي أَثَرِ الطَّيْرِ ثُمَّ بِالْفَاحِشَةِ ثُمَّ بِالْقَتْلِ.
فَقَالَ يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ مَا كَانَتْ خَطِيئَتُهُ فَقَالَ وَيْحَكَ إِنَّ دَاوُدَ ظَنَّ أَنَّ مَا خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ خَلْقاً هُوَ أَعْلَمُ مِنِّي، فَبَعَثَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ إِلَيْهِ الْمَلَكَيْنِ فَ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ، فَقَالا: خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنا بِالْحَقِ إِلَى قَوْلِهِ لَهُ تِسْعٌ وَ تِسْعُونَ نَعْجَةً وَ لِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ، فَجَعَلَ دَاوُدُ ع عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَ قالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ، وَ لَمْ يَسْأَلِ الْمُدَّعِيَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ، فَكَانَ هَذَا خَطِيئَةَ دَاوُدَ لَا مَا ذَهَبْتُمْ إِلَيْهِ أَ لَا تَسْمَعُ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ يَقُولُ:« يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ».
( أَقُولُ) وَ يَرِدُ عَلَيْهِ أَيْضاً أَنَّهُ يَمْتَنِعُ مِنْ دَاوُدَ أَنْ يُخْطِئَ فِي الْحُكْمِ، فَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ الْمَعْصُومِينَ إِذَا لَمْ يُؤْمَنُوا مِنَ الْخَطَإِ فِي الْقَضَاءِ فَلِمَنِ الْعِصْمَةُ مِنْ بَعْدِهِمْ لَا سِيَّمَا مِثْلَ هَذَا الْخَطَإِ الْفَاحِشِ الَّذِي ارْتَكَبَهُ دَاوُدُ وَ هُوَ الِاسْتِعْجَالُ إِلَى الْحُكْمِ قَبْلَ طَلَبِ الْبَيِّنَةِ مِنَ الْمُدَّعِي.
( وَ جَوَابُهُ) أَنَّ قَوْلَ دَاوُدَ:« لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ ... إلخ» لَعَلَّهُ لَمْ يَكُنْ قَضَاءً وَ حُكْماً بَلْ إِنَّهُ كَانَ عَلَى سَبِيلِ إِظْهَارِ الرَّأْيِ قَبْلَ الْحُكْمِ وَ كَانَ بِنَاؤُهُ أَنْ يُطَالِبَ الْمُدَّعِيَ الْبَيِّنَةَ مِنْ بَعْدُ، فَحَيْثُ إِنَّ مِثْلَ هَذَا الْكَلَامِ الْمُشْعِرِ بِكَوْنِهِ مَائِلًا إِلَى أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ بِدُونِ إِقَامَةِ الدَّلِيلِ مِنَ الْجَانِبَيْنِ كَانَ مِمَّا لَا يَنْبَغِي لِمَكَانِ النُّبُوَّةِ فَعُوتِبَ عَلَى ذَلِكَ وَ اسْتَغْفَرَ لَهُ. ج. ز