مِهَاداً- لَوْ قَدْ وَرَدْتَ عَلَيْهِ لَقَرَّتْ عَيْنَاكَ، فَخَرَجَ مُوسَى إِلَى جَبَلِ طُورِ سِينَا مَعَ وَصِيِّهِ- فَصَعِدَ مُوسَى الْجَبَلَ فَنَظَرَ إِلَى رَجُلٍ قَدْ أَقْبَلَ- وَ مَعَهُ مِكْتَلٌ[1] وَ مِسْحَاةٌ، فَقَالَ لَهُ مُوسَى مَا تُرِيدُ قَالَ إِنَّ رَجُلًا مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ قَدْ تُوُفِّيَ- فَأَنَا أَحْفِرُ لَهُ قَبْراً فَقَالَ لَهُ مُوسَى أَ وَ لَا أُعِينُكَ عَلَيْهِ قَالَ: بَلَى- قَالَ فَحَفَرَا الْقَبْرَ- فَلَمَّا فَرَغَا أَرَادَ الرَّجُلُ أَنْ يَنْزِلَ إِلَى الْقَبْرِ- فَقَالَ لَهُ مُوسَى مَا تُرِيدُ قَالَ أَدْخُلُ الْقَبْرَ فَأَنْظُرُ كَيْفَ مَضْجَعُهُ فَقَالَ لَهُ مُوسَى أَنَا أَكْفِيكَ، فَدَخَلَهُ مُوسَى فَاضْطَجَعَ فِيهِ- فَقَبَضَ مَلَكُ الْمَوْتِ رُوحَهُ وَ انْضَمَّ عَلَيْهِ الْجَبَلَ
و أما قوله: تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ- نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَ لا فَساداً- وَ الْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ
فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ الْمِنْقَرِيِّ عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع يَا حَفْصُ مَا مَنْزِلَةُ الدُّنْيَا مِنْ نَفْسِي إِلَّا بِمَنْزِلَةِ الْمَيْتَةِ- إِذَا اضْطُرِرْتُ إِلَيْهَا أَكَلْتُ مِنْهَا، يَا حَفْصُ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى عَلِمَ مَا الْعِبَادُ عَامِلُونَ- وَ إِلَى مَا هُمْ صَائِرُونَ- فَحَلُمَ عَنْهُمْ عِنْدَ أَعْمَالِهِمُ السَّيِّئَةِ لِعِلْمِهِ السَّابِقِ فِيهِمْ- فَلَا يَغُرَّنَّكَ حُسْنُ الطَّلَبِ مِمَّنْ لَا يَخَافُ الْفَوْتَ- ثُمَّ تَلَا قَوْلَهُ: «تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ ...» الْآيَةَ، وَ جَعَلَ يَبْكِي وَ يَقُولُ ذَهَبَتْ وَ اللَّهِ الْأَمَانِيُّ عِنْدَ هَذِهِ الْآيَةِ- ثُمَّ قَالَ فَازَ وَ اللَّهِ الْأَبْرَارُ أَ تَدْرِي مَنْ هُمْ هُمُ الَّذِينَ لَا يُؤْذُونَ الذَّرَّ- كَفَى بِخَشْيَةِ اللَّهِ عِلْماً- وَ كَفَى بِالاغْتِرَارِ بِاللَّهِ جَهْلًا- يَا حَفْصُ! إِنَّهُ يُغْفَرُ لِلْجَاهِلِ سَبْعُونَ ذَنْباً- قَبْلَ أَنْ يُغْفَرَ لِلْعَالِمِ ذَنْبٌ وَاحِدٌ، مَنْ تَعَلَّمَ وَ عَلَّمَ وَ عَمِلَ بِمَا عَلِمَ- دُعِيَ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ عَظِيماً، فَقِيلَ تَعَلَّمَ لِلَّهِ وَ عَمِلَ لِلَّهِ، وَ عَلَّمَ لِلَّهِ- قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ فَمَا حَدُّ الزُّهْدِ فِي الدُّنْيَا فَقَالَ قَدْ حَدَّ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ فَقَالَ عَزَّ وَ جَلَّ «لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَ لا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ» إِنَّ أَعْلَمَ النَّاسِ بِاللَّهِ أَخْوَفُهُمْ لِلَّهِ- وَ أَخْوَفَهُمْ لَهُ أَعْلَمُهُمْ بِهِ- وَ أَعْلَمَهُمْ بِهِ أَزْهَدُهُمْ فِيهَا، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ أَوْصِنِي- فَقَالَ
[1]. زِنْبِيلٌ مِنْ خُوصٍ. ج. ز