فَلَمَّا غَرِقَتِ الدُّنْيَا رَفَعَ اللَّهُ تِلْكَ الْقُبَّةَ- وَ غَرِقَتِ الدُّنْيَا إِلَّا مَوْضِعَ الْبَيْتِ فَسُمِّيَتِ الْبَيْتُ الْعَتِيقَ لِأَنَّهُ أُعْتِقَ مِنَ الْغَرَقِ- فَلَمَّا أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ إِبْرَاهِيمَ ع أَنْ يَبْنِيَ الْبَيْتَ وَ لَمْ يَدْرِ فِي أَيِّ مَكَانٍ يَبْنِيهِ- فَبَعَثَ اللَّهُ جَبْرَئِيلَ ع فَخَطَّ لَهُ مَوْضِعَ الْبَيْتِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْجَنَّةِ وَ كَانَ الْحَجَرُ الَّذِي أَنْزَلَهُ اللَّهُ عَلَى آدَمَ أَشَدَّ بَيَاضاً مِنَ الثَّلْجِ فَلَمَّا لَمَسَتْهُ أَيْدِي الْكُفَّارِ اسْوَدَّ، فَبَنَى إِبْرَاهِيمُ الْبَيْتَ وَ نَقَلَ إِسْمَاعِيلُ الْحَجَرَ مِنْ ذِي طُوًى فَرَفَعَهُ إِلَى السَّمَاءِ تِسْعَةَ أَذْرُعٍ ثُمَّ دَلَّهُ عَلَى مَوْضِعِ الْحَجَرِ فَاسْتَخْرَجَهُ إِبْرَاهِيمُ ع وَ وَضَعَهُ فِي مَوْضِعِهِ الَّذِي هُوَ فِيهِ الْأَوَّلَ- وَ جَعَلَ لَهُ بَابَيْنِ بَابٌ إِلَى الْمَشْرِقِ وَ بَابٌ إِلَى الْمَغْرِبِ- وَ الْبَابُ الَّذِي إِلَى الْمَغْرِبِ يُسَمَّى الْمُسْتَجَارَ ثُمَّ أَلْقَى عَلَيْهِ الشَّجَرَ وَ الْإِذْخِرَ- وَ عَلَّقَتْ هَاجَرُ عَلَى بَابِهِ كِسَاءً كَانَ مَعَهَا وَ كَانُوا يُكَنُّونَ تَحْتَهُ.
فَلَمَّا بَنَاهُ وَ فَرَغَ مِنْهُ حَجَّ إِبْرَاهِيمُ (ع) وَ إِسْمَاعِيلُ وَ نَزَلَ عَلَيْهِمَا جَبْرَئِيلُ ع يَوْمَ التَّرْوِيَةِ لِثَمَانٍ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ فَقَالَ يَا إِبْرَاهِيمُ قُمْ فَارْتَوِ مِنَ الْمَاءِ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِمِنًى وَ عَرَفَاتٍ مَاءٌ- فَسُمِّيَتِ التَّرْوِيَةَ لِذَلِكَ- ثُمَّ أَخْرَجَهُ إِلَى مِنًى فَبَاتَ بِهَا فَفَعَلَ بِهِ مَا فَعَلَ بِآدَمَ ع فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ لَمَّا فَرَغَ مِنْ بِنَاءِ الْبَيْتِ «رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً وَ ارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ- مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ» قَالَ مِنْ ثَمَرَاتِ الْقُلُوبِ أَيْ حَبِّبْهُمْ إِلَى النَّاسِ- لِيَنْتَابُوا[1] إِلَيْهِمْ وَ يَعُودُوا إِلَيْهِمْ.
و أما قوله رَبَّنا وَ ابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ- وَ يُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ يُزَكِّيهِمْ- إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ فإنه يعني من ولد إسماعيل ع فلذلك
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص «أَنَا دَعْوَةُ أَبِي إِبْرَاهِيمَ ع
» و قوله فَإِنَّما هُمْ فِي شِقاقٍ يعني في كفر- قوله صِبْغَةَ اللَّهِ وَ مَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً يعني به الإسلام.
و قوله سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ- ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها فإن هذه الآية متقدمة- على قوله «قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ- فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها»
[1]. انْتَابَهُمْ انْتِيَاباً أَيْ أَتَاهُمْ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى قاموس