وَ الْقَبُولِ لِقَوْلِهِ، ثُمَّ قَالَ لَهَا اعْلَمِي- إِنْ أَنْتِ نَوَيْتِ أَنْ تُسَمِّيَهُ عَبْدَ الْحَارِثِ وَ جَعَلْتِ لِي فِيهِ نَصِيباً- وَلَدْتِيهِ غُلَاماً سَوِيّاً عَاشَ وَ بَقِيَ لَكُمْ، فَقَالَتْ فَإِنِّي قَدْ نَوَيْتُ أَنْ أَجْعَلَ لَكَ فِيهِ نَصِيباً، فَقَالَ لَهَا الْخَبِيثُ لَا تَدَعِي آدَمَ حَتَّى يَنْوِيَ مِثْلَ مَا نَوَيْتِي- وَ يَجْعَلَ لِي فِيهِ نَصِيباً- وَ يُسَمِّيَهُ عَبْدَ الْحَارِثِ فَقَالَتْ لَهُ نَعَمْ- فَأَقْبَلَتْ عَلَى آدَمَ فَأَخْبَرَتْهُ بِمَقَالَةِ الْحَارِثِ وَ بِمَا قَالَ لَهَا- وَ وَقَعَ فِي قَلْبِ آدَمَ مِنْ مَقَالَةِ إِبْلِيسَ مَا خَافَهُ- فَرَكَنَ إِلَى مَقَالَةِ إِبْلِيسَ، وَ قَالَتْ حَوَّاءُ لِآدَمَ لَئِنْ أَنْتَ لَمْ تَنْوِ أَنْ تُسَمِّيَهُ عَبْدَ الْحَارِثِ وَ تَجْعَلَ لِلْحَارِثِ فِيهِ نَصِيباً لَمْ أَدَعْكَ تَقْرَبُنِي- وَ لَا تَغْشَانِي وَ لَمْ يَكُنْ بَيْنِي وَ بَيْنَكَ مَوَدَّةٌ، فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ مِنْهَا آدَمُ قَالَ لَهَا- أَمَا إِنَّكِ سَبَبُ الْمَعْصِيَةِ الْأُولَى- وَ سَيُدْلِيكِ بِغَرُورٍ قَدْ تَابَعْتُكِ وَ أَجَبْتُ إِلَى أَنْ أَجْعَلَ لِلْحَارِثِ فِيهِ نَصِيباً- وَ أَنْ أُسَمِّيَهُ عَبْدَ الْحَارِثِ[1] فَأَسَرَّا
[1]. لَا يَخْفَى أَنَّ الْحَارِثَ وَ إِنْ كَانَ مِنْ أَسَامِي إِبْلِيسَ لَعَنَهُ اللَّهُ كَمَا يَظْهَرُ مِنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ، لَكِنْ لَهُ مَعَانٍ أُخَرُ أَيْضاً كَزَارِعِ الْحَرْثِ وَ الْكَاسِبِ، وَ لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ« إِبْلِيسَ» أَوِ« الشَّيْطَانِ» الْمُخْتَصَّيْنِ بِهِ، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يُسَمَّ بِهِ أَخْيَارُ النَّاسِ كَحَارِثِ بْنِ هَمَّامٍ وَ حَارِثِ بْنِ سُرَاقَةَ الَّذَيْنِ كَانَا صَحَابِيَّيْنِ جَلِيلَيْنِ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ بَأْسٌ فِي التَّسْمِيَةِ بِنَفْسِ الْحَارِثِ كَيْفَ يَكُونُ الْتِبَاسٌ فِي التَّسْمِيَةِ بِعَبْدِ الْحَارِثِ لِإِمْكَانِ أَنْ أَرَادَ مِنْهُ آدَمُ ع هُوَ اللَّهَ لِصِدْقِ الْحَارِثِ بِمَعْنَى مُخْرِجِ الْحَرْثِ، عَلَيْهِ حَقِيقَةً- وَ أَمَّا قَوْلُهُ: اجْعَلْ لِلْحَارِثِ فِيهِ نَصِيباً مَعْنَاهُ اجْعَلْ نَصِيباً فِي الطَّاعَةِ لَا فِي الْعِبَادَةِ وَ هُوَ الْمُرَادُ مِنْ شِرْكِ الطَّاعَةِ فِي قَوْلِ الْإِمَامِ ع الْآتِي ذِكْرُهُ فَإِنْ قُلْتَ: كَيْفَ جَازَ لآِدَمَ أَنْ جَعَلَ لِلشَّيْطَانِ نَصِيباً فِي وُلْدِهِ وَ إِذَا جَازَ لِمَ عَاتَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ: فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ قُلْتُ: كَانَ ذَلِكَ جَائِزاً لِأَنَّ الَّذِي جَعَلَ لِلشَّيْطَانِ نَصِيباً فِي وُلْدِ آدَمَ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ: وَ شارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَ الْأَوْلادِ، فَإِذَا جَعَلَ آدَمُ لَهُ فِيهِمْ نَصِيباً لَمْ يَكُنْ مَقْدُوحاً إِلَّا أَنَّ آدَمَ لَمَّا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَقَامٌ كَمَقَامِ اللَّهِ حَتَّى يُجِيزَ الشَّيْطَانَ فِي الْمُشَارَكَةِ كَمَا أَجَازَ اللَّهُ، لَمْ يَكُنْ سَائِغاً لَهُ أَنْ يُرَخِّصَهُ بِكَذَا خُصُوصاً إِذَا كَانَ مُتَرَشِّحاً مِنْهُ الِانْقِيَادُ لِلشَّيْطَانِ وَ الرِّضَا عَلَى طَاعَةِ وُلْدِهِ لَهُ فَلِذَا عَاتَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَ اللَّهُ الْعَالِمُ. ج. ز