وَ أَمَّا قَوْلُهُ وَ لا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَ الْعَشِيِّ- يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ- وَ ما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ- فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ فَإِنَّهُ كَانَ سَبَبُ نُزُولِهَا- أَنَّهُ كَانَ بِالْمَدِينَةِ قَوْمٌ فُقَرَاءُ مُؤْمِنُونَ- يُسَمَّوْنَ أَصْحَابَ الصُّفَّةِ، وَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ص أَمَرَهُمْ أَنْ يَكُونُوا فِي الصُّفَّةِ يَأْوُونَ إِلَيْهَا، وَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ص يَتَعَاهَدُهُمْ بِنَفْسِهِ- وَ رُبَّمَا حَمَلَ إِلَيْهِمْ مَا يَأْكُلُونَ، وَ كَانُوا يَخْتَلِفُونَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ص فَيَقْرَبُهُمْ وَ يَقْعُدُ مَعَهُمْ وَ يُؤْنِسُهُمْ- وَ كَانَ إِذَا جَاءَ الْأَغْنِيَاءُ وَ الْمُتْرَفُونَ مِنْ أَصْحَابِهِ- أَنْكَرُوا عَلَيْهِ ذَلِكَ وَ يَقُولُونَ لَهُ اطْرُدْهُمْ عَنْكَ فَجَاءَ يَوْماً رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ص وَ عِنْدَهُ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ الصُّفَّةِ قَدْ لَزِقَ بِرَسُولِ اللَّهِ ص وَ رَسُولُ اللَّهِ ص يُحَدِّثُهُ، فَقَعَدَ الْأَنْصَارِيُّ بِالْبُعْدِ مِنْهُمَا، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ص تَقَدَّمْ فَلَمْ يَفْعَلْ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ص لَعَلَّكَ خِفْتَ أَنْ يَلْزَقَ فَقْرُهُ بِكَ- فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ اطْرُدْ هَؤُلَاءِ عَنْكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ «وَ لا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَ الْعَشِيِّ- يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ... إلخ
ثم قَالَ وَ كَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ أَيْ اخْتَبَرْنَا الْأَغْنِيَاءَ بِالْغِنَاءِ- لِنَنْظُرَ كَيْفَ مُوَاسَاتُهُمْ لِلْفُقَرَاءِ- وَ كَيْفَ يُخْرِجُونَ مَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ فِي أَمْوَالِهِمْ، فَاخْتَبَرْنَا الْفُقَرَاءَ لِنَنْظُرَ كَيْفَ صَبْرُهُمْ عَلَى الْفَقْرِ- وَ عَمَّا فِي أَيْدِي الْأَغْنِيَاءِ وَ لِيَقُولُوا أَيِ الْفُقَرَاءُ أَ هؤُلاءِ الْأَغْنِيَاءُ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا- أَ لَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ ثُمَّ فَرَضَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ ص أَنْ يُسَلِّمَ عَلَى التَّوَّابِينَ- وَ الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُوا فقال وَ إِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا- فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ يعني أوجب الرحمة لمن تاب- و الدليل على ذلك قوله أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَ أَصْلَحَ- فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ و قوله وَ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَ لِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ يعني مذهبهم و طريقتهم تستبين إذا وصفناهم، ثم قال