«كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ- وَ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَ آتُوا
الزَّكاةَ» فلما كتب عليهم القتال بالمدينة قالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ
عَلَيْنَا الْقِتالَ- لَوْ لا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فقال الله قُلْ لهم يا محمد مَتاعُ
الدُّنْيا قَلِيلٌ وَ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى- وَ لا تُظْلَمُونَ
فَتِيلًا الفتيل القشر الذي في النواة ثم قال: أَيْنَما تَكُونُوا
يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ- وَ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ يعني الظلمات
الثلاث التي ذكرها- و هي المشيمة و الرحم و البطن- و قوله وَ إِنْ تُصِبْهُمْ
حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ- وَ إِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ
يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ- قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ يعني الحسنات و
السيئات ثم قال في آخر الآية ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ- وَ
ما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ و قد اشتبه هذا على عدة
من العلماء فقالوا يقول الله وَ إِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذِهِ
مِنْ عِنْدِ اللَّهِ- وَ إِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ
عِنْدِكَ- قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الحسنة و السيئة، ثم قال في آخر الآية «ما أَصابَكَ
مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ- وَ ما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ، فكيف هذا و ما
معنى القولين فالجواب في ذلك- أن معنى القولين جميعا عن الصادقين ع أنهم قالوا
الحسنات في كتاب الله على وجهين- و السيئات على وجهين فمن الحسنات التي ذكرها
الله، الصحة و السلامة و الأمن و السعة و الرزق- و قد سماها الله حسنات «وَ إِنْ
تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ» يعني بالسيئة هاهنا المرض و الخوف و الجوع و الشدة «يَطَّيَّرُوا
بِمُوسى وَ مَنْ مَعَهُ» أي يتشاءموا به- و الوجه الثاني من الحسنات
يعني به أفعال العباد و هو قوله «مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ
أَمْثالِها» و مثله كثير و كذلك السيئات على وجهين- فمن السيئات الخوف و الجوع و
الشدة- و هو ما ذكرناه في قوله «وَ إِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا
بِمُوسى وَ مَنْ مَعَهُ» و عقوبات الذنوب فقد سماها الله السيئات- و
الوجه الثاني من السيئات- يعني بها أفعال العباد التي يعاقبون عليها- فهو قوله «وَ مَنْ جاءَ
بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ» و قوله «ما أَصابَكَ
مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ- وَ ما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ» يعني ما عملت