ففرح ذو القرنين و بعث
إلى أهل مملكته- فجمع أشرافهم و فقهاءهم و علماءهم و أهل الحكم منهم، فاجتمع إليه
ألف حكيم و عالم و فقيه، فلما اجتمعوا إليه تهيأ للمسير- و تأهب له باعد العدة، و
أقوى القوة، فسار بهم يريد مطلع الشمس- يخوض البحار[1] و يقطع الجبال و
الفيافي[2] و
الأرضين و المفاوز، فسار اثنتا عشرة سنة حتى انتهى إلى طرف الظلمة، فإذا هي ليست
بظلمة ليل و لا دخان- و لكنها هواء يفور فسد ما بين الأفقين، فنزل بطرفها و عسكر
عليها- و جمع علماء أهل عسكره و فقهاءهم و أهل الفضل منهم- فقال: يا معشر الفقهاء
و العلماء- إني أريد أن أسلك هذه الظلمة فخروا له سجدا فقالوا: أيها الملك إنك
لتطلب أمرا- ما طلبه و لا سلكه أحد من كان قبلك- من النبيين و المرسلين، و لا من
الملوك، قال: إنه لا بد لي من طلبها، قالوا:
يا أيها الملك- إنا
لنعلم أنك إذا سلكتها ظفرت بحاجتك منها- بغير عنت عليك لأمرنا و لكنا نخاف أن يعلق
بك[3] منها
أمر- يكون فيه هلاك ملكك و زوال سلطانك- و فساد من في الأرض، فقال: لا بد من أن
أسلكها- فخروا سجدا لله و قالوا: إنا نتبرأ إليك مما يريد ذو القرنين.
فقال ذو القرنين: يا
معشر العلماء- أخبروني بأبصر الدواب قالوا: الخيل الإناث البكارة أبصر الدواب،
فانتخب من عسكره- فأصاب ستة آلاف فرس إناثا أبكارا و انتخب من أهل العلم و الفضل و
الحكمة- ستة آلاف رجل، فدفع إلى كل رجل فرسا و عقد[4] لافسحر و هو الخضر على
ألف فرس، فجعلهم على مقدمته و أمرهم أن يدخلوا الظلمة- و سار ذو القرنين في أربعة
آلاف، و أمر أهل عسكره أن يلزموا معسكره اثنتا عشرة سنة، فإن رجع هو إليهم إلى ذلك
الوقت- و إلا تفرقوا في البلاد، و لحقوا