كذبت وعدي لقومي- لا و عزة ربي لا يرون لي وجها أبدا- بعد ما
كذبني الوحي فانطلق يونس هاربا على وجهه مغاضبا لربه[1] ناحية بحر أيلة[2] متنكرا
فرارا من أن يراه أحد من قومه، فيقول له: يا كذاب، فلذلك قال الله: «وَ ذَا
النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً- فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ» الآية- و
رجع تنوخا إلى القرية فلقي روبيل فقال له: يا تنوخا أي الرأيين كان أصوب و أحق- أن
يتبع رأيي أو رأيك فقال له تنوخا: بل رأيك كان أصوب، و لقد كنت أشرت برأي الحكماء
و العلماء، و قال له تنوخا: أما إني لم أزل أرى- إني أفضل منك لزهدي و فضل عبادتي،
حتى استبان فضلك بفضل علمك- و ما أعطاك الله ربك من الحكمة- مع أن التقوى أفضل من
الزهد و العبادة بلا علم، فاصطحبا فلم يزالا مقيمين مع قومهما- و مضى يونس على
وجهه مغاضبا لربه، فكان من قصته ما أخبر الله به في كتابه إلى قوله: «فَآمَنُوا
فَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ».
قال أبو عبيدة قلت
لأبي جعفر ع: كم كان غاب يونس عن قومه- حتى رجع إليهم بالنبوة و الرسالة- فآمنوا
به و صدقوه قال: أربعة أسابيع سبعا منها في ذهابه إلى البحر، و سبعا منها في رجوعه
إلى قومه، فقلت له: و ما هذه الأسابيع شهور أو أيام أو ساعات فقال: يا با عبيدة إن
العذاب أتاهم يوم الأربعاء في النصف من شوال، و صرف عنهم من يومهم ذلك، فانطلق
يونس مغاضبا، فمضى يوم الخميس سبعة أيام في مسيره إلى البحر، و سبعة أيام في بطن الحوت،
و سبعة أيام تحت الشجرة بالعراء و سبعة أيام في رجوعه إلى قومه، فكان ذهابه و
رجوعه مسير ثمانية و عشرين يوما ثم أتاهم فآمنوا به و صدقوه و اتبعوه، فلذلك قال
الله «فَلَوْ لا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ- فَنَفَعَها إِيمانُها إِلَّا قَوْمَ
يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ»[3].
[1]- أي على قومه لربه تعالى. أي كان غضبه للَّه
تعالى لا للهوى، أو خائفاً عن تكذيب قومه لما تخلف عنه من وعد ربه( قال المجلسي(
ره).
[2]- أيلة: جبل بين مكة و المدينة قرب ينبع، و بلد
بين ينبع و مصر.
[3]- البحار ج 5: 425. البرهان ج 2: 200. الصافي ج
1: 767.