و قوله (وَ إِن طائِفَتانِ مِنَ المُؤمِنِينَ) لا يدل علي أنهما إذا اقتتلا بقيا علي الايمان، و يطلق عليهما هذا الاسم، بل لا يمتنع ان يفسق احد الطائفتين او يفسقا جميعاً، و جري ذلک مجري ان تقول: و إن طائفة من المؤمنين ارتدت عن الإسلام فاقتلوها. ثم قال (فَإِن بَغَت إِحداهُما عَلَي الأُخري فَقاتِلُوا الَّتِي تَبغِي حَتّي تَفِيءَ) أي فان بغت إحدي الطائفتين علي الأخري بأن تطلب ما لا يجوز لها و تقابل الأخري ظالمة لها متعدية عليها (فَقاتِلُوا الَّتِي تَبغِي) لأنها هي الظالمة المتعدية دون الاخري (حَتّي تَفِيءَ إِلي أَمرِ اللّهِ) أي حتي ترجع إلي أمر اللّه و تترك قتال الطائفة المؤمنة. ثم قال (فان فاءت) أي رجعت و تابت و أقلعت و أنابت إلي طاعة اللّه (فَأَصلِحُوا بَينَهُما) يعني بينها و بين الطائفة الّتي كانت علي الايمان و لم تخرج عنه بالقول، فلا تميلوا علي واحدة منهما (و أقسطوا) أي اعدلوا (إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ المُقسِطِينَ) يعني العادلين، يقال: أقسط إذا عدل، و قسط إذا جار. قال اللّه تعالي (وَ أَمَّا القاسِطُونَ فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً)[1].
و قيل: إن الآية نزلت في قبيلتين من الأنصار وقع بينهما حرب و قتال- ذكره الطبري-.
ثم اخبر تعالي (إنما المؤمنون) الّذين يوحدون اللّه تعالي و يعملون بطاعاته و يقرون بنبوة نبيه و يعملون بما جاء به (أخوة) يلزمهم نصرة بعضهم بعضاً (فَأَصلِحُوا بَينَ أَخَوَيكُم) يعني إذا رجعا جميعاً إلي الحق و ما أمر اللّه به (وَ اتَّقُوا اللّهَ) أي اجتنبوا معاصيه و افعلوا طاعته و اتقوه في مخالفتكم (لَعَلَّكُم تُرحَمُونَ) معناه لكي ترحمون لان (لعل) بمعني الشك و الشك لا يجوز علي اللّه تعالي، قال الزجاج: سموا المؤمنين إذا كانوا متفقين في دينهم بأنهم أخوة، لاتفاقهم في الدين و رجوعهم إلي اصل النسب