بالأمر مجاهرة. و نقيض‌ الجهر الهمس‌.

‌ثم‌ ‌بين‌ ‌تعالي‌ انهم‌ متي‌ فعلوا ‌ذلک‌ بان‌ يرفعوا الصوت‌ ‌علي‌ صوت‌ النبي‌ صَلي‌ اللّه‌ُ عَليه‌ و آله‌ ‌علي‌ الوجه‌ ‌ألذي‌ قلناه‌ ‌أن‌ يحبط أعمالهم‌، و التقدير ‌لا‌ ترفعوا أصواتكم‌ لأن‌ ‌لا‌ تحبط ‌قال‌ الزجاج‌: و ‌يکون‌ اللام‌ لام‌ العاقبة، و المعني‌ يحبط ثواب‌ ‌ذلک‌ العمل‌، لأنهم‌ ‌لو‌ أوقعوه‌ ‌علي‌ وجه‌ الاستحقاق‌ لاستحقوا ‌به‌ الثواب‌، فلما فعلوه‌ ‌علي‌ خلاف‌ ‌ذلک‌ استحقوا ‌عليه‌ العقاب‌، وفاتهم‌ ‌ذلک‌ الثواب‌ فذاك‌ إحباط أعمالهم‌، ‌فلا‌ يمكن‌ ‌أن‌ يستدل‌ بذلك‌ ‌علي‌ صحة الإحباط ‌في‌ ‌الآية‌ ‌علي‌ ‌ما يقوله‌ أصحاب‌ الوعيد، و لأنه‌ ‌تعالي‌ علق‌ الإحباط ‌في‌ ‌الآية‌ بنفس‌ العمل‌، و أكثر ‌من‌ خالفنا يعلقه‌ بالمستحق‌ ‌علي‌ الأعمال‌، و ‌ذلک‌ خلاف‌ الظاهر.

‌ثم‌ مدح‌ ‌تعالي‌ ‌من‌ ‌کان‌ بخلاف‌ ‌من‌ يرفع‌ الصوت‌ ‌بين‌ يدي‌ النبي‌ صَلي‌ اللّه‌ُ عَليه‌ و آله‌، ‌فقال‌ «إِن‌َّ الَّذِين‌َ يَغُضُّون‌َ أَصواتَهُم‌ عِندَ رَسُول‌ِ اللّه‌ِ» اعظاماً للنبي‌ و إجلالا ‌له‌، و الغض‌ الحط ‌من‌ منزلة ‌علي‌ وجه‌ التصغير ‌له‌ بحالة، يقال‌: غض‌ فلان‌ ‌عن‌ فلان‌ ‌إذا‌ ضعف‌ حاله‌ ‌عن‌ حال‌ ‌من‌ ‌هو‌ أرفع‌ ‌منه‌، و غض‌ بصره‌ ‌إذا‌ ضعف‌ ‌عن‌ حدة النظر، و غض‌ صوته‌ ‌إذا‌ ضعف‌ ‌عن‌ الجهر، و ‌قال‌ جرير:

فغض‌ الطرف‌ إنك‌ ‌من‌ نمير        ‌فلا‌ كعباً بلغت‌ و ‌لا‌ كلاباً[1]

‌ثم‌ ‌قال‌ «أُولئِك‌َ» يعني‌ ‌الّذين‌ يغضون‌ أصواتهم‌ عند ‌رسول‌ اللّه‌ ‌هم‌ «الَّذِين‌َ امتَحَن‌َ اللّه‌ُ قُلُوبَهُم‌ لِلتَّقوي‌» ‌ أي ‌ لاخلاص‌ التقوي‌ فعاملهم‌ معاملة المختبر ‌کما‌ يمتحن‌ الذهب‌ ‌لا‌ خلاص‌ جيده‌. و ‌قيل‌ «امتَحَن‌َ اللّه‌ُ قُلُوبَهُم‌ لِلتَّقوي‌» أخلصها‌-‌ ‌في‌ قول‌ مجاهد و قتادة‌-‌ و ‌قال‌ قوم‌: معناه‌ أولئك‌ ‌الّذين‌ علم‌ اللّه‌ التقوي‌ ‌في‌ قلوبهم‌، لان‌ الامتحان‌ يراد ‌به‌ العلم‌، فعبر ‌عن‌ العلم‌ بالامتحان‌.