تعملوا فيها بالمعاصي «وَ تُقَطِّعُوا أَرحامَكُم» فلا تصلونها، فان اللّه تعالي يعاقبكم عليه بعذاب الأبد و يلعنكم.
ثم قال «أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللّهُ» أي أبعدهم اللّه عن رحمته «فَأَصَمَّهُم وَ أَعمي أَبصارَهُم» أي سماهم عمياً و صماً، و حكم عليهم بذلك، لأنهم بمنزلة الصم و العمي من حيث لم يهتدوا إلي الحق و لا أبصروا الرشد، و لم يرد الاصمام في الجارحة و الاعماء في العين، لأنهم كانوا بخلافه صحيحي العين صحيحي السمع.
ثم قال موبخاً لهم «أَ فَلا يَتَدَبَّرُونَ القُرآنَ أَم عَلي قُلُوبٍ أَقفالُها» معناه أفلا يتدبرون القرآن بأن يتفكروا فيه و يعتبروا به أم علي قلوبهم قفل يمنعهم من ذلک تنبيهاً لهم علي ان الأمر بخلافه. و ليس عليها ما يمنع من التدبر و التفكر و التدبر في النظر في موجب الأمر و عاقبته، و علي هذا دعاهم الي تدبر القرآن.
و في ذلک حجة علي بطلان قول من بقول لا يجوز تفسير شيء من ظاهر القرآن إلا بخبر و سمع.
و فيه تنبيه علي بطلان قول الجهال من اصحاب الحديث انه ينبغي ان يروي الحديث علي ما جاء و إن کان مختلا في المعني، لأن اللّه تعالي دعا إلي التدبر و التفقه و ذلک مناف للتجاهل و التعامي.
ثم قال «إِنَّ الَّذِينَ ارتَدُّوا عَلي أَدبارِهِم» أي رجعوا عن الحق و الايمان «مِن بَعدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الهُدَي» أي ظهر لهم الطريق الواضح المفضي إلي الجنة.
و ليس في ذلک ما يدل علي ان المؤمن علي الحقيقة يجوز ان يرتد، لأنه لا يمتنع ان يکون المراد من رجع عن إظهار الايمان بعد وضوح الأمر فيه و قيام الحجة بصحته.
ثم قال «الشَّيطانُ سَوَّلَ لَهُم» أي زين لهم ذلک. و قيل: معناه أعطاهم سؤلهم من خطاياهم «وَ أُملِي لَهُم» أي أمهلهم الشيطان، و أملي لهم بالاطماع و الاغترار.