«أَ يَحسَب‌ُ الإِنسان‌ُ أَن‌ يُترَك‌َ سُدي‌ً»[1] و ‌من‌ كسر فعلي‌ الجزاء و استغني‌ ‌عن‌ جوابه‌ ‌بما‌ تقدم‌ كقولهم‌:

انت‌ ظالم‌ ‌ان‌ فعلت‌ كأنه‌ ‌قال‌ ‌إن‌ كنتم‌ مسرفين‌ نضرب‌، و ‌قال‌ المبرد: المعني‌ متي‌ فعلتم‌ ‌هذا‌ طلبتم‌ ‌أن‌ نضرب‌ الذكر عنكم‌ صفحاً. ‌قال‌ الفراء: تقول‌ العرب‌:

أضربت‌ عنك‌ و ضربت‌ عنك‌ بمعني‌ تركتك‌ و أعرضت‌ عنك‌. و ‌قال‌ الزجاج‌:

المعني‌ أ فنضرب‌ عنكم‌ الذكر ‌ أي ‌ نهلككم‌ ‌فلا‌ نعرفكم‌ ‌ما يجب‌ عليكم‌ لأن‌ أسرفتم‌ و أصل‌ ضربت‌ عنه‌ الذكران‌ الراكب‌ ‌إذا‌ ركب‌ دابة فأراد ‌أن‌ يصرفها ‌عن‌ جهة ضربها بعصاً ‌او‌ سوط لتعدل‌ ‌به‌ ‌إلي‌ جهة أخري‌ يريدها ‌ثم‌ يوضع‌ الضرب‌ موضع‌ الصرف‌ و العدل‌. و صفحاً مصدر أقيم‌ مقام‌ الفاعل‌، و نصب‌ ‌علي‌ الحال‌. و المعني‌ ا فنضرب‌ عنكم‌ تذكيرنا إياكم‌ الواجب‌ صافحين‌ ‌او‌ معرضين‌، يقال‌ صفح‌ فلان‌ بوجهه‌ عني‌ ‌ أي ‌ اعرض‌ ‌قال‌ كثير:

صفوح‌ فما تلقاك‌ ‌إلا‌ بخيلة        فمن‌ مل‌ منها ‌ذلک‌ الوصل‌ ملت‌

و الصفوح‌ ‌في‌ صفات‌ اللّه‌ معناه‌ العفو يقال‌: صفح‌ ‌عن‌ ذنبه‌ ‌إذا‌ عفا. و ‌قال‌ بعضهم‌: المعني‌ أ فظننتم‌ ‌أن‌ نضرب‌ عنكم‌ ‌هذا‌ الذكر ‌ألذي‌ بينا لكم‌ ‌فيه‌ امر دينكم‌ صفحاً، ‌فلا‌ يلزمكم‌ العمل‌ ‌بما‌ ‌فيه‌، و ‌لا‌ نؤاخذكم‌ لمخالفتكم‌ إياه‌ ‌إن‌ كنتم‌ قوماً مسرفين‌ ‌علي‌ أنفسكم‌، و جري‌ ‌ذلک‌ مجري‌ قول‌ أحدنا لصاحبه‌ و ‌قد‌ أنكر فعله‌ أ أتركك‌ تفعل‌ ‌ما تشاء أغفل‌ عنك‌ ‌إذا‌ أهملت‌ نفسك‌، ففي‌ ‌ذلک‌ إنكار و وعيد شديد.

‌قوله‌ ‌تعالي‌: [‌سورة‌ الزخرف‌ (43): الآيات‌ 6 ‌الي‌ 10]

وَ كَم‌ أَرسَلنا مِن‌ نَبِي‌ٍّ فِي‌ الأَوَّلِين‌َ (6) وَ ما يَأتِيهِم‌ مِن‌ نَبِي‌ٍّ إِلاّ كانُوا بِه‌ِ يَستَهزِؤُن‌َ (7) فَأَهلَكنا أَشَدَّ مِنهُم‌ بَطشاً وَ مَضي‌ مَثَل‌ُ الأَوَّلِين‌َ (8) وَ لَئِن‌ سَأَلتَهُم‌ مَن‌ خَلَق‌َ السَّماوات‌ِ وَ الأَرض‌َ لَيَقُولُن‌َّ خَلَقَهُن‌َّ العَزِيزُ العَلِيم‌ُ (9) الَّذِي‌ جَعَل‌َ لَكُم‌ُ الأَرض‌َ مَهداً وَ جَعَل‌َ لَكُم‌ فِيها سُبُلاً لَعَلَّكُم‌ تَهتَدُون‌َ (10)