و قيل في معناه قولان:
أحدهما- لهم عذاب شديد يوم الحساب بما تركوا طاعاته في الدنيا، فعلي هذا يکون يوم الحساب متعلقاً ب (عذاب شديد) و هو قول عكرمة و السدي:
الثاني- قال الحسن «لَهُم عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا يَومَ الحِسابِ» أي بما اعرضوا عنه، صاروا بمنزلة الناسي، فيكون علي هذا العامل في (يوم) قوله «نسوا».
ثم اخبر تعالي انه لم يخلق السماء و الإرض و ما بينهما باطلا، بل خلقهما و ما بينهما بالحق لغرض حكمي، و هو ما في ذلک من إظهار الحكمة و تعريض انواع الحيوان للمنافع الجليلة و تعريض العقلاء لمنافع الثواب، و ذلک يفسد قول المجبرة الّذين قالوا: إن کل باطل و ضلال من فعل اللّه. و قوله «ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا» معناه إن خلق السماء و الإرض و ما بينهما باطلا ظن من يكفر باللّه و يجحد وحدانيته و حكمته. ثم توعد من هذه صفته فقال «فَوَيلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النّارِ» ثم قال علي وجه التوبيخ و التقريع للكفار بلفظ الاستفهام «أَم نَجعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا ...» معناه هل نجعل الّذين صدقوا باللّه و أقروا برسله و عملوا الصالحات مثل الّذين أفسدوا في الإرض و عملوا بالمعاصي!؟ ام هل نجعل الّذين اتقوا معاصي اللّه خوفاً من عقابه كالفجار الّذين عملوا بمعاصيه و تركوا طاعته!؟ فهذا لا يکون ابداً. و كيف يکون كذلك و هؤلاء يستحقون الثواب بطاعتهم و أولئك يستحقون العقاب بمعاصيهم. و قال ابو عبيدة: ليس لها جواب استفهام فخرجت مخرج الوعيد. و قال الزجاج:
تقديره، أ نجعل الّذين آمنوا و عملوا الصالحات كالمفسدين في الإرض أم نجعل المتقين كالفجار، فهو استفهام بمعني التقرير.