ثم اخبر تعالي ان كفار قوم ابراهيم انهم (فَأَرادُوا بِهِ كَيداً) و حيلة و هو ما أرادوا من إحراقه بالنار (فَجَعَلناهُمُ الأَسفَلِينَ) بأن اهلكهم اللّه و نجا ابراهيم و قيل منع اللّه- عز و جل- النار منه بل صرفها في خلاف جهته، فلما أشرفوا علي ذلک علموا انهم لا طاقة لهم به.
ثم حكي ما قال ابراهيم حين أرادوا كيده، فانه قال (إِنِّي ذاهِبٌ إِلي رَبِّي) و معناه إلي مرضات اللّه ربي بالمصير إلي المكان ألذي أمرني ربي بالذهاب اليه. و قيل: إلي الإرض المقدسة و قيل إلي ارض الشام. و قال قتادة: معناه (إِنِّي ذاهِبٌ إِلي رَبِّي) أي بعملي و نيتي، و معني (سيهدين) يعني يهديني في ما بعد الي الطريق ألذي أمرني بالمصير اليه أو الي الجنة بطاعتي إياه.
ثم دعا ابراهيم ربه فقال (رَبِّ هَب لِي مِنَ الصّالِحِينَ) يعني ولداً صالحاً من الصالحين، کما تقول: أكلت من الطعام، و حذف لدلالة الكلام عليه، فأجابه اللّه تعالي إلي ذلک و بشره بغلام حليم اي حليماً لا يعجل في الأمور قبل وقتها، و في ذلک بشارة له علي بقاء الغلام حتي يصير حليماً.
و قال قوم: المبشر به إسحاق و قال آخرون إسماعيل، و نذكر خلافهم في ذلک في ما بعد.
فَلَمّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعيَ قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَري فِي المَنامِ أَنِّي أَذبَحُكَ فَانظُر ما ذا تَري قالَ يا أَبَتِ افعَل ما تُؤمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شاءَ اللّهُ مِنَ الصّابِرِينَ (102) فَلَمّا أَسلَما وَ تَلَّهُ لِلجَبِينِ (103) وَ نادَيناهُ أَن يا إِبراهِيمُ (104) قَد صَدَّقتَ الرُّؤيا إِنّا كَذلِكَ نَجزِي المُحسِنِينَ (105) إِنَّ هذا لَهُوَ البَلاءُ المُبِينُ (106)
وَ فَدَيناهُ بِذِبحٍ عَظِيمٍ (107) وَ تَرَكنا عَلَيهِ فِي الآخِرِينَ (108) سَلامٌ عَلي إِبراهِيمَ (109) كَذلِكَ نَجزِي المُحسِنِينَ (110) إِنَّهُ مِن عِبادِنَا المُؤمِنِينَ (111)