الّذين كذبوا بآيات اللّه و جحدوا أدلته، يعني فرعون و قومه، و أخبر أنهم لم يقبلوا منهما و جحدوا نبوتهما، فأهلكهم الله و دمرهم تدميراً. و التدمير الإهلاك بأمر عجيب و مثله التنكيل، يقال: دمر علي فلان إذا هجم عليه بالمكروه.
ثم قال «وَ قَومَ نُوحٍ» أي أغرقنا قوم نوح لما كذبوا الرسل «أَغرَقناهُم وَ جَعَلناهُم لِلنّاسِ آيَةً» و علامة. و التغريق الإهلاك بالماء الغامر، و قد غرق الله تعالي قوم نوح بالطوفان، و هو مجيء ماء السماء المنهمر، و ماء الإرض ألذي فجر الله تعالي عيونها حتي التقي الماء، أي أتي علي أمر قد قدره الله، فطبق الإرض و لم ينج إلا نوحاً و من کان معه راكباً في السفينة، و يقال: فلان غريق في النعمة تشبيهاً بذلك.
و قوله «لَمّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ» يعني نوحاً و من تقدم من الأنبياء. و قيل:
المعني نوحاً و الرسل من الملائكة. و قيل: نوحاً و من بعده من الرسل، لأن الأنبياء يصدق بعضهم بعضاً في توحيد الله و خلع الأنداد، فمن كذب بواحد منهم فقد كذب بهم جميعهم، و قال الحسن: تكذيبهم بنوح تكذيب لسائر الرسل.
ثم قال تعالي: إنا مع إهلاكهم العاجل (أَعتَدنا لِلظّالِمِينَ) نفوسهم (عَذاباً أَلِيماً) أي مؤلماً موجعاً.
و قوله (وَ عاداً وَ ثَمُودَ وَ أَصحابَ الرَّسِّ وَ قُرُوناً بَينَ ذلِكَ كَثِيراً) معناه و أهلكنا هؤلاء ايضاً، يقال: (عاد) هم القوم الّذين بعث الله إليهم هوداً، و (ثمود) هم الّذين بعث الله اليهم صالحاً، و اصحاب الرس قال عكرمة: الرس بئر رسوا فيها نبيهم أي ألقوه فيها. و قال قتادة: هي قرية باليمامة، يقال لها: (فلج) و قال أبوا عبيدة: الرس کل محفور- في كلام العرب- و هو المعدن، قال الشاعر:
سبقت الي فرط ناهل تنابلة يحفرون الرساسا[1]