و قال سعيد بن جبير هو الشيء ألذي قد انتهي حره «يَشوِي الوُجُوهَ» أي يحرقها من شدة حرّه إذا قربت منه. ثم قال تعالي مخبراً عن ذلک بأنه «بِئسَ الشَّرابُ» يعني ذلک المهل «وَ ساءَت مُرتَفَقاً» و قيل معناه المتكأ من المرفق، کما قال أبو ذؤيب:
بات الخلي و بت الليل مرتفقاً کان عينيّ فيها الصاب مذبوح[1]
و قيل هو من الرفق. و قال مجاهد معناه مجتمعاً كأنه ذهب به الي معني مرافقة.
ثم أخبر تعالي عن المؤمنين الّذين يعملون الصالحات من الطاعات و يجتنبون المعاصي بأنه لا يضيع أجر من أحسن عملا و لا يبطل ثوابه. و قيل في خبر «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا» ثلاثة أقوال:
أحدها- ان خبره قوله «أُولئِكَ لَهُم جَنّاتُ عَدنٍ» و يکون قوله «إِنّا لا نُضِيعُ أَجرَ مَن أَحسَنَ عَمَلًا» اعتراضاً بين الاسم و الخبر.
الثاني- ان يکون الخبر إنا لا نضيع أجره، إلا انه وقع المظهر موقع المضمر.
و الثالث- أن يکون علي البدل، فلا يحتاج الأول الي خبر، كقول الشاعر:
إن الخليفة ان اللّه سربله سربال ملك به ترجي الخواتيم
فأخبر عن الثاني و أضرب عن الأول.
أُولئِكَ لَهُم جَنّاتُ عَدنٍ تَجرِي مِن تَحتِهِمُ الأَنهارُ يُحَلَّونَ فِيها مِن أَساوِرَ مِن ذَهَبٍ وَ يَلبَسُونَ ثِياباً خُضراً مِن سُندُسٍ وَ إِستَبرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَي الأَرائِكِ نِعمَ الثَّوابُ وَ حَسُنَت مُرتَفَقاً (31) وَ اضرِب لَهُم مَثَلاً رَجُلَينِ جَعَلنا لِأَحَدِهِما جَنَّتَينِ مِن أَعنابٍ وَ حَفَفناهُما بِنَخلٍ وَ جَعَلنا بَينَهُما زَرعاً (32) كِلتَا الجَنَّتَينِ آتَت أُكُلَها وَ لَم تَظلِم مِنهُ شَيئاً وَ فَجَّرنا خِلالَهُما نَهَراً (33) وَ كانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقالَ لِصاحِبِهِ وَ هُوَ يُحاوِرُهُ أَنَا أَكثَرُ مِنكَ مالاً وَ أَعَزُّ نَفَراً (34)