جاهدوا المشركين، و لا تخافوا في الله لومة لائم، و قال الضحاك: معناه اعملوا بالحق لله حق العمل.
و قوله (هُوَ اجتَباكُم) فالاجتبا هو اختيار الشيء لما فيه من الصلاح. و قيل:
معناه اختاركم لدينه، و جهاد أعدائه. و الحق يجتبي، و الباطل يتقي، و لا بد أن يکون ذلک خطاباً متوجهاً الي من اختاره الله بفعل الطاعات، دون أن يکون ارتكب الكبائر الموبقات. و إن کان سبق منه جهاد في سبيل الله.
و قوله (وَ ما جَعَلَ عَلَيكُم فِي الدِّينِ مِن حَرَجٍ) معناه لم يجعل عليكم ضيقاً في دينكم، و لا ما لا مخرج منه. و ذلک أن منه ما يتخلص منه بالتوبة، و منه ما يتخلص منه برد المظلمة، و ليس في دين الإسلام ما لا سبيل الي الخلاص من عقابه. و فيه من الدليل- كالذي في قوله (وَ لَو شاءَ اللّهُ لَأَعنَتَكُم)[1]- علي فساد مذهب المجبرة في العدل. و مثله قوله (لا يُكَلِّفُ اللّهُ نَفساً إِلّا وُسعَها)[2] و قوله (مِلَّةَ أَبِيكُم إِبراهِيمَ) يحتمل نصب (ملة) وجهين:
أحدهما- اتبعوا (مِلَّةَ أَبِيكُم) و الزموا، لان قبله (جاهِدُوا فِي اللّهِ حَقَّ جِهادِهِ) و الاخر- كملة أبيكم إلا انه لما حذف حرف الجر اتصل الاسم بالفعل فنصب.
و قال الفراء: نصبه بتقدير: وسع ملتكم، کما وسع ملة أبيكم. و قوله (مِلَّةَ أَبِيكُم إِبراهِيمَ) معناه انه يرجع جميعهم الي ولادة ابراهيم، و أفاد هذا ان حرمة ابراهيم علي المسلمين كحرمة الوالد علي الولد، کما قال (وَ أَزواجُهُ أُمَّهاتُهُم)[3]- في قول الحسن.
و قوله «هُوَ سَمّاكُمُ المُسلِمِينَ» قال إبن عباس و مجاهد: اللّه سماكم المسلمين، فهو كناية عن اللّه. و قال إبن زيد: هو كناية عن ابراهيم و تقديره ابراهيم سماكم المسلمين