سليمة مما أراد الشيطان. و يجوز أن يکون النبي (ص) حين اجتمع اليه القوم و اقترحوا عليه أن يترك ذكر آلهتهم بالسوء، أقبل عليهم يعظهم و يدعوهم الي الله، فلما انتهي رسول الله الي ذكر اللات و العزي. قال الشيطان هاتين الكلمتين رافعاً بها صوته، فألقاهما في تلاوته في غمار من القوم و كثرة لغطهم، فظن الكفار ان ذلک من قول النبي، فسجدوا عند ذلک.
و قوله «وَ اللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ» معناه إنه عالم بجميع المعلومات، واضح الأشياء مواضعها. و الآية تدل علي أن کل رسول نبي، لأنه تعالي ذكر انه أرسلهم، و انما قال من رسول و لا نبي، لاختلاف المعنيين، لأن الرسول يفيد أن الله أرسله، و النبي يفيد أنه عظيم المنزلة يخبر عن اللّه. و قد قال بعض المفسرين: إن المراد بالتمني في الآية تمني القلب، و المعني انه ما من نبي و لا رسول إلا و هو يتمني بقلبه ما يقربه الي اللّه من طاعاته، و إن الشيطان يلقي في أمنيته بوسوسته و اغوائه ما ينافي ذلک، فينسخ اللّه ذلک عن قلبه بأن يلطف له ما يختار عنده ترك ما أغواه به.
و قوله «لِيَجعَلَ ما يُلقِي الشَّيطانُ فِتنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَرَضٌ» بيان من اللّه تعالي أنه يجعل ما يلقيه الشيطان من الأمنية فتنة، فمعني (ليجعل) يحتمل أمرين:
أحدهما- الحكم و التسمية، کما تقول جعلت حسني قبيحاً، و يکون المراد انه ينسخ ما يلقي الشيطان طلباً للفتنة و الإغواء.
و الثاني- انه أراد ليجعل نسخ ما يلقي الشيطان فتنة، لأن نفس فعل الشيطان لا يجعله الله فتنة، لأن ذلک قبيح، و الله تعالي منزه عن القبائح اجمع، فمعني الفتنة في الآية المحنة، و تغليظ التكليف «لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَرَضٌ» أي شك و نفاق و قلة معرفة «وَ القاسِيَةِ قُلُوبُهُم» يعني من قسي قلبه من اتباع الحق. و قيل: هم الظالمون.
ثم اخبر تعالي «إِنَّ الظّالِمِينَ» لنفوسهم «لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ» أي مشاقة