«أَ فَرَأَيتُمُ اللّاتَ وَ العُزّي وَ مَناةَ الثّالِثَةَ الأُخري»[1] القي الشيطان في تلاوته (تلك الغرانيق العلي و إن شفاعتهن لترتجي) و معني الآية التسلية للنبي (ص) و انه لم يبعث اللّه نبياً، و لا رسولا إلا إذا تمني- يعني تلا- القي الشيطان في تلاوته بما يحاول تعطيله، فيرفع اللّه ما ألقاه بمحكم آياته. و قال المؤرج: الامنية الفكرة، بلغة قريش. و قال مجاهد: کان النبي (ص) إذا تأخر عنه الوحي تمني أن ينزل عليه فيلقي الشيطان في أمنيته، فينسخ اللّه ما يلقي الشيطان و يحكم آياته. و قال ابو علي الجبائي: انما کان يغلط في القراءة سهواً فيها، و ذلک جائز علي النبي، لأنه سهو لا يعري منه بشر، و لا يلبث ان ينبهه اللّه تعالي عليه. و قال غيره: إنما قال ذلک في تلاوته بعض المنافقين عن إغواء الشياطين، و أوهم أنه من القرآن. و قال الحسن: انما قال: هي عند اللّه كالغرانيق العلي، يعني الملائكة في قولكم، و إن شفاعتهن لترتجي في اعتقادكم. و التمني في الآية معناه التلاوة، قال الشاعر:
تمني كتاب اللّه أول ليلة و آخره لاقي حمام المقادر[2]
و قال الجبائي: انما سها النبي (ص) في القراءة نفسها. فأما الرواية بأنه قرأ تلك الغرانيق العلي، و إن شفاعتهن لترتجي، فلا أصل لها، لأن مثله لا يغلط علي طريق السهو، و انما يغلط في المتشابه.
و قوله «فَيَنسَخُ اللّهُ ما يُلقِي الشَّيطانُ» أي يزيل اللّه ما يلقيه الشيطان من الشبهة «ثُمَّ يُحكِمُ اللّهُ آياتِهِ» حتي لا يتطرق عليها ما يشعثها. و قال البلخي: و يجوز أن يکون النبي (ص) سمع هاتين الكلمتين من قومه و حفظهما فلما قرأ النبي (ص) وسوس بهما اليه الشيطان، و ألقاهما في فكره، فكاد أن يجريهما علي لسانه، فعصمه الله، و نبهه، و نسخ وسواس الشيطان، و أحكم آياته، بأن قرأها النبي (ص) محكمة