يجوز أن يعملوا بالظن!؟ و الامة لا طريق لها الي العلم بالاحكام فجاز ان يكلفوا ما طريقه الظن!؟ علي ان عندنا لا يجوز في الأمة ايضاً العمل علي الاجتهاد. و قد بينا ذلک في غير موضع. و من قال: انهما اجتهدا، قال أخطأ داود و أصاب سليمان.
و ذكروا في قوله «إِذ يَحكُمانِ» ثلاثة أوجه:
أحدها- إذ شرعا في الحكم فيه من غير قطع به في ابتداء الشرع.
و ثانيها- ان يکون حكمه حكما معلقاً بشرط لم يفعله بعد.
و ثالثها- أن يکون معناه طلبا بحكم في الحرث، و لم يبتديا به بعد. و يقوي ما قلناه قوله تعالي «فَفَهَّمناها سُلَيمانَ» يعني علمنا الحكومة في ذلک سليمان. و قيل:
ان اللّه تعالي «فهم سليمان» قيمة ما أفسدت الغنم.
ثم أخبر تعالي بأنه آتي كلا حكما و علماً، فدل علي ان ما حكم به داود کان بوحي اللّه، و تعليمه. و قيل: معني قوله «فَفَهَّمناها سُلَيمانَ» أي فتحنا له طريق الحكومة، لما اجتهد في طلب الحق فيها، من غير عيب علي داود فيما کان منه في ذلک، لأنه اجتهد: فحكم بما أدي اجتهاده اليه.
و قوله «وَ سَخَّرنا مَعَ داوُدَ الجِبالَ» معناه سير الله تعالي الجبال مع داود حيث سار، فعبر عن ذلک بالتسبيح، لما فيها من الآية العظيمة الّتي تدعو له بتعظيم الله و تنزيهه عن کل ما لا يليق به، و لا يجوز وصفه به. و كذلك سخر له الطير، و عبر عن ذلک التسخير بأنه تسبيح من الطير، لدلالته علي أن من سخرها قادر لا يجوز عليه العجز، کما يجوز علي العباد.
و قوله «وَ كُنّا فاعِلِينَ» أي و كنا قادرين علي ما نريده. و قال الجبائي: أكمل الله تعالي عقول الطير حتي فهمت ما کان سليمان يأمرها به و ينهاها عنه، و ما يتوعدها به متي خالفت.