اللّه، ففي ذلک تخويف و ترهيب، کما يقول القائل: إن كنت مؤمناً، فلا تظلمني، و تكون هي غير عالمة بأنه تقي أم لا، فلما سمع جبرائيل منها هذا القول، قال لها:
«إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ» ارسلني اللّه لا بشرك بأنه يهب «لَكِ غُلاماً» ذكراً «زَكِيًّا» طاهراً من الذنوب. و قيل: نامياً في أفعال الخير. فقالت مريم عند ذلک متعجبة من هذا القول: «أَنّي يَكُونُ لِي غُلامٌ» أي كيف يکون ذلک «وَ لَم يَمسَسنِي بَشَرٌ» بالجماع علي وجه الزوجية «وَ لَم أَكُ بَغِيًّا» أي لم أكن زانية- في قول السدي و غيره-، و (البغي) الّتي تطلب الزنا، لأن معني تبغيه تطلبه، و «لم أك» أصلها لم أكن لأنه من (کان، يکون) و إنما حذفت النون، لاستخفافها علي ألسنتهم، و لكثرة استعمالهم لها، کما حذفوا الالف في (لم أبل) و أصله (لم أبالي) لأنه من المبالاة و كقولهم: (لا أدر) و قولهم: (أيش) و أصله أي شيء، و مثله: لا أب لشانئك و أصله لا أبا لشانئك، و مثله كثير.
قالَ كَذلِكِ قالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَ لِنَجعَلَهُ آيَةً لِلنّاسِ وَ رَحمَةً مِنّا وَ كانَ أَمراً مَقضِيًّا (21) فَحَمَلَتهُ فَانتَبَذَت بِهِ مَكاناً قَصِيًّا (22) فَأَجاءَهَا المَخاضُ إِلي جِذعِ النَّخلَةِ قالَت يا لَيتَنِي مِتُّ قَبلَ هذا وَ كُنتُ نَسياً مَنسِيًّا (23) فَناداها مِن تَحتِها أَلاّ تَحزَنِي قَد جَعَلَ رَبُّكِ تَحتَكِ سَرِيًّا (24) وَ هُزِّي إِلَيكِ بِجِذعِ النَّخلَةِ تُساقِط عَلَيكِ رُطَباً جَنِيًّا (25)
خمس آيات بلا خلاف.
قرأ حمزة و حفص عن عاصم «نسياً» بفتح النون. الباقون بكسرها، و هما