(لما) و (کل) في الآية معرفة، و المعني و إن کل المكلفين ليوفينهم ربك أعمالهم أو کل المختلفين علي ما تقدم ذكره کما يقولون: مررت بكل قائماً، و التوفية بلوغ المقدار من غير نقصان، و التوفية مساواة المقدار في معناه، لأنه إذا ساواه في جنسه لم يجب به توفية.
أخبر اللّه تعالي في هذه الآية انه يوفي جميع المكلفين ما يستحقونه علي أعمالهم من الثواب و العقاب، لأنه عالم بما فعلوه خبير به، لا يخفي عليه شيء من ذلک و من ليس بعالم لا يمكنه ذلک، لأنه يجوز ان يکون قد خفي عليه كثير منه، و هو تعالي لا يخفي عليه خافية.
فَاستَقِم كَما أُمِرتَ وَ مَن تابَ مَعَكَ وَ لا تَطغَوا إِنَّهُ بِما تَعمَلُونَ بَصِيرٌ (112)
آية بلا خلاف.
أمر اللّه النبي صلّي اللّه عليه و سلّم و أمته أن يستقيموا کما أمرهم اللّه، و كذلك من رجع الي اللّه و الي نبيه «و لا تطغوا» يعني في الاستقامة، فيخرجوا عن حدها بالزيادة علي ما أمرهم فرضاً کان أو نفلًا. و قيل: معناه لا تطغينكم النعمة، فتخرجوا من الاستقامة.
و (الاستقامة) الاستمرار في جهة واحدة، و ان لا يعدل يميناً و شمالًا.
و (الطغيان) تجاوز المقدار في الفساد. و الطاغي كالباغي في صفة الذم، و طغي الماء مشبه بحال الطاغي، و انما خص من تاب دون ان أسلم من أول حاله للتغليب في الأكثر و يدخل فيه الأقل علي وجه التبع.
و قوله «إِنَّهُ بِما تَعمَلُونَ بَصِيرٌ» اخبار منه تعالي أنه عالم بأعمالهم لا يخفي عليه شيء منها.