و قوله «أَلا بُعداً لِمَديَنَ» دعاء عليهم بانتفاء الرحمة عنهم کما أهلك اللّه تعالي ثمود، فلم يرحمهم، و جعل انتفاء الرحمة بعداً من الرحمة، لأنه أظهر فيما يتصور، فكأنهم يرونها حسرة لأنها لا تصل اليهم منها منفعة لما يحصلون عليه من مضرة الحسرة، و (كأن) هذه يحتمل ان تكون مخففة من الثقيلة علي ان يضمر فيها، كالاضمار في (ان) من قوله «وَ آخِرُ دَعواهُم أَنِ الحَمدُ لِلّهِ رَبِّ العالَمِينَ»[1] و يجوز ان تكون (ان) الّتي تنصب الفعل بمعني المصدر. و بعدت و بعُدت بالكسر و الضم لغتان. و كانت العرب تذهب بالرفع الي التباعد، و بالكسر الي الدعاء، و هما واحد. و قرأ ابو عبد الرحمن السلمي کما بعدت بضم العين. و الآخر بعداً فنصب علي المصدر، و تقديره ألا أهلكهم اللّه فبعدوا بعداً.
وَ لَقَد أَرسَلنا مُوسي بِآياتِنا وَ سُلطانٍ مُبِينٍ (96) إِلي فِرعَونَ وَ مَلائِهِ فَاتَّبَعُوا أَمرَ فِرعَونَ وَ ما أَمرُ فِرعَونَ بِرَشِيدٍ (97)
آيتان بلا خلاف.
اخبر اللّه تعالي و اقسم انه أرسل موسي نبياً بالآيات، و هي الحجج و المعجزات الدالة علي نبوته «وَ سُلطانٍ مُبِينٍ» اي و حجة ظاهرة مخلصة من تلبيس و تمويه، علي أتم ما يمكن فيه. و السلطان، و الآيات و إن کان معناهما الحجج، فإنما عطف إحداهما علي الأخري، لاختلاف اللفظ، و لان معناهما مختلف، لان الآيات حجج من وجه الاعتبار العظيم بها، و السلطان من جهة القوة العظيمة علي المبطل، و کل علم له حجة يقهر بها شبهة من نازعه من اهل الباطل تشبهه، فله سلطان. و قد قيل إن سلطان الحجة انفذ من سلطان المملكة، و السلطان متي کان محقاً حجة