الثاني- قال مجاهد: إنه مثل ضربه لعبادتهم الأوثان الّتي لا تملك شيئاً، و العدول عن عبادة اللّه ألذي يملك کل شيء، و المعني أن الإثنين المتساويين في الخلق إذا کان أحدهما قادراً علي الإنفاق مالكاً، و الآخر عاجزاً لا يقدر علي الإنفاق لا يستويان، فكيف يسوّي بين الحجارة الّتي لا تتحرك، و لا تعقل، و بين اللّه تعالي القادر علي کل شيء، الرازق لجميع خلقه، فبين بذلك لهم أمر ضلالتهم و بعدهم عن الحق في عبادة الأوثان. ثم قال «الحمد لله» أي الشكر له تعالي، علي نعمه، لا يستحقه من لا نعمة له، «وَ لكِنَّ أَكثَرَهُم لا يَعلَمُونَ» ذلک.
و في هذه الآية دلالة علي أن المملوك لا يملك شيئاً، لأن قوله «مَملُوكاً لا يَقدِرُ عَلي شَيءٍ» ليس المراد به نفي القدرة، لأنه قادر علي التصرف، و إنما المراد أنه لا يملك التصرف في الأموال، و ذلک عام في جميع ما يملك و يتصرف فيه.
وَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً رَجُلَينِ أَحَدُهُما أَبكَمُ لا يَقدِرُ عَلي شَيءٍ وَ هُوَ كَلٌّ عَلي مَولاهُ أَينَما يُوَجِّههُ لا يَأتِ بِخَيرٍ هَل يَستَوِي هُوَ وَ مَن يَأمُرُ بِالعَدلِ وَ هُوَ عَلي صِراطٍ مُستَقِيمٍ (76)
آية بلا خلاف.
قيل في معني ضرب هذا المثل قولان:
أحدهما- انه مثل ضربه اللّه في من يؤملّ الخير من جهته، و في من لا يؤملّ، فيؤمل الخير كله من اللّه تعالي، لا من جهة الأوثان و العباد، فلا ينبغي أن يسوّي بينهما في العبادة.
الثاني- انه مثل للكافر و المؤمن، و وجه التقابل في ضرب المثل بهذين الرجلين أنه علي تقدير: و من هو بخلاف صفته «يَأمُرُ بِالعَدلِ وَ هُوَ عَلي صِراطٍ مُستَقِيمٍ» في تدبير الأمور بالحق، و هذا زيادة في ضرب المثل من اللّه تعالي، فإنه يقول: ان الرجلين إذا کان أحدهما أبكم لا يقدر علي شيء، و هو ألذي لا يسمع