جئناك «نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ». و التبشير الإخبار بما يسرّ، بما يظهر في بشرة الوجه سروراً به يقال: بشرته أبشره بشارة و أبشر ابشاراً بمعني استبشر، و بشرته تبشيراً، و انما وصفه بأنه «عليم» قبل كونه، لدلالة البشارة به علي انه سيكون بهذه الصفة، لأنه إنما بشر بولد يرزقه اللّه إياه و يکون عليماً، فقال لهم ابراهيم «أَ بَشَّرتُمُونِي عَلي أَن مَسَّنِيَ الكِبَرُ» اي كيف يکون لي ولد و قد صرت كبيراً، لان معني «مَسَّنِيَ الكِبَرُ» أي غيرني الكبر عن حال الشباب الّتي يطمع معها في الولد، الي حال الهرم. و قيل في معناه قولان:
أحدهما- انه عجب من ذلک لكبره، فقاله علي هذا الوجه.
و الآخر- انه استفهم فقال: أ أمر اللّه ان تبشرونني، في قول الجبائي.
و معني (علي ان مسني) أي بأن مسني، کما قال «حَقِيقٌ عَلي أَن لا أَقُولَ»[1] بمعني بأن لا أقول.
قالُوا بَشَّرناكَ بِالحَقِّ فَلا تَكُن مِنَ القانِطِينَ (55) قالَ وَ مَن يَقنَطُ مِن رَحمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضّالُّونَ (56)
آيتان بلا خلاف.
قرأ أبو عمرو و الكسائي «يقنط» بكسر النون، حيث وقع. الباقون بفتحها، و كلهم قرأ «من بعد ما قنطوا»[2] بفتح النون، قال ابو علي: قنط يقنط و يقنط لغتان بدلالة إجماعهم علي قوله «مِن بَعدِ ما قَنَطُوا» بفتح النون و قد حكي: يقنط بضم النون، و هي شاذة، و هذا يدل علي ان ماضيه علي (فعَل) لأنه ليس في الكلام (فعِل يفعُل). و قد حكي عن الأعمش أنه قرأ «من بعد ما قنطوا» بكسر النون، و هي شاذة لا يقرأ بها.
و في هذه الآية حكاية ما قالت الملائكة لإبراهيم، حين عجب ان يکون له