«الّذين» في موضع جر، لأنه نعت للكافرين، و تقديره و ويل للكافرين الّذين يستحبون الحياة الدنيا علي الآخرة. و الاستحباب طلب محبة الشيء بالتعرض لها، و المحبة إرادة منافع المحبوب. و قد تكون المحبة ميل الطباع. و الحياة الدنيا هو المقام في هذه الدنيا العاجلة علي الكون في الآخرة. ذمهم اللّه بذلك، لان الدنيا دار انتقال، و الآخرة دار مقام.
«وَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ» اي يعرضون بنفوسهم عن اتباع الطريق المؤدي الي معرفة اللّه، و يجوز ان يريد انهم يمنعون غيرهم من اتباع سبيل اللّه تعالي، يقال: صد عنه يصد صدّاً، غير متعد، و صده يصده صدّاً متعد. و السبيل الطريق و كلاهما يؤنث و يذكر، و هو علي السبل اغلب و «يَبغُونَها عِوَجاً» أي و يطلبون الطريق عوجاً اي عدولًا عن استقامته. و (العوج) خلاف الميل الي الاستقامة، و العوج- بكسر العين- في الدين، و- بفتح العين- في العود و البغية طلب المقاصد لموضع الحاجة، يقال: بغاه يبغيه بغية، و ابتغي ابتغاء، و دخلت (علي) في قوله «يَستَحِبُّونَ الحَياةَ الدُّنيا عَلَي الآخِرَةِ» لان المعني يؤثرونها عليها. و لو قيل من الاخرة، لجاز ان يکون بمعني يستبدلونها من الاخرة.
و قيل: إنه يجري مجري قولهم: نزلت علي بني فلان، و نزلت في بني فلان، و ببني فلان، كله بمعني واحد.
و قوله «أُولئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ» إخبار منه تعالي ان هؤلاء الّذين يؤثرون الحياة الدنيا علي الاخرة، و يصدون عن سبيل اللّه، في عدول عن الحق، بعيدون عن الاستقامة.
نام کتاب : تفسير التبيان نویسنده : الشيخ الطوسي جلد : 6 صفحه : 272