يقترحونها، و يعلمون‌ انها أنزلت‌ ‌من‌ ربه‌، و ‌ذلک‌ ‌لما‌ ‌لم‌ يستدلوا، فيعلموا مدلول‌ الآيات‌ ‌الّتي‌ اتي‌ بها ‌لم‌ يعتدوا بتلك‌ الآيات‌، فقالوا ‌هذا‌ القول‌ جهلًا منهم‌ بها، فأمر اللّه‌ نبيه‌ ‌ان‌ يقول‌ ‌لهم‌ «إِن‌َّ اللّه‌َ يُضِل‌ُّ مَن‌ يَشاءُ» بمعني‌ انه‌ يحكم‌ ‌علي‌ ‌من‌ يشاء بالضلال‌ ‌إذا‌ ضل‌ ‌عن‌ طريق‌ الحق‌، و يجوز ‌ان‌ ‌يکون‌ المراد «يُضِل‌ُّ مَن‌ يَشاءُ» ‌عن‌ طريق‌ الجنة بسوء أفعالهم‌ و عظم‌ معاصيهم‌، و ‌لا‌ يجوز ‌ان‌ يريد بذلك‌ الإضلال‌ ‌عن‌ الحق‌، لان‌ ‌ذلک‌ سفه‌ ‌لا‌ يفعله‌ اللّه‌ ‌تعالي‌.

و ‌قوله‌ «وَ يَهدِي‌ إِلَيه‌ِ مَن‌ أَناب‌َ» اي‌ يحكم‌ لمن‌ رجع‌ ‌الي‌ طاعة اللّه‌ و العمل‌ بها بالجنة و يهديه‌ اليها. و الهداية الدلالة ‌الّتي‌ تؤدي‌ ‌الي‌ طريق‌ الرشد بدلًا ‌من‌ طريق‌ الغي‌، و المراد بها‌-‌ هاهنا‌-‌ الحكم‌ ‌له‌ بسلوك‌ طريق‌ الجنة رفعاً لقدره‌، و مدحاً لصاحبه‌. و الإضلال‌ العدول‌ بالمارّ ‌عن‌ طريق‌ النجاة ‌الي‌ طريق‌ الهلاك‌، و المراد‌-‌ هاهنا‌-‌ الحكم‌ ‌له‌ بالعدول‌ ‌عن‌ طريق‌ الجنة و سلوك‌ طريق‌ النار، و الإنابة الرجوع‌ ‌الي‌ الحق‌ بالتوبة، يقال‌: ناب‌ ينوب‌ نوبة ‌إذا‌ رجع‌ مرة ‌بعد‌ مرة.

‌قوله‌ ‌تعالي‌: [‌سورة‌ الرعد (13): آية 28]

الَّذِين‌َ آمَنُوا وَ تَطمَئِن‌ُّ قُلُوبُهُم‌ بِذِكرِ اللّه‌ِ أَلا بِذِكرِ اللّه‌ِ تَطمَئِن‌ُّ القُلُوب‌ُ (28)

آية بلا خلاف‌.

موضع‌ «‌الّذين‌» نصب‌، لأنه‌ ‌من‌ صفة ‌من‌ أناب‌، و تقديره‌ و يهدي‌ اللّه‌ ‌الّذين‌ أنابوا ‌الي‌ اللّه‌ «الَّذِين‌َ آمَنُوا وَ تَطمَئِن‌ُّ قُلُوبُهُم‌ بِذِكرِ اللّه‌ِ» و الايمان‌-‌ هاهنا‌-‌ ‌هو‌ الاعتراف‌ بتوحيد اللّه‌ ‌علي‌ جميع‌ صفاته‌، و الإقرار بنبوة نبيه‌، و قبول‌ ‌ما جاء ‌به‌ ‌من‌ عند اللّه‌، و العمل‌ ‌بما‌ أوجبه‌ ‌عليهم‌، و ‌في‌ اللغة: الايمان‌ ‌هو‌ التصديق‌.

و ‌قوله‌ «وَ تَطمَئِن‌ُّ قُلُوبُهُم‌ بِذِكرِ اللّه‌ِ» ‌ أي ‌ تسكن‌ قلوبهم‌ و تأنس‌ ‌الي‌ ذكر اللّه‌ ‌ألذي‌ معه‌ ايمان‌ ‌به‌، ‌لما‌ ‌في‌ ‌ذلک‌ ‌من‌ ذكر نعمه‌ ‌الّتي‌ ‌لا‌ تحصي‌ و أياديه‌ ‌الّتي‌ ‌لا‌ تجازي‌، ‌مع‌ عظيم‌ سلطانه‌ و بسط إِحسانه‌. و الذكر حضور المعني‌ للنفس‌، و ‌قد‌ يسمي‌ العلم‌ ذكراً، و القول‌ ‌ألذي‌ ‌فيه‌ المعني‌ الحاضر للنفس‌ يسمي‌ ذكراً. و وصف‌ اللّه‌