و ‌قوله‌ «خَلَت‌ مِن‌ قَبلِهِم‌ُ المَثُلات‌ُ» ‌ أي ‌ مضت‌ بانقضائها كمضي‌ اهل‌ الدار عنها، يقال‌: خلت‌ الديار بهلاك‌ أهلها و خلوهم‌ بخلو مكانهم‌ منها، و المثلات‌ العقوبات‌ ‌الّتي‌ تزجر ‌عن‌ مثل‌ ‌ما وقعت‌ لأجله‌ واحدها مثلة مثل‌ سمرة و صدقة، و ‌في‌ الجمع‌ سمرات‌ و صدقات‌، و يقال‌ مثلت‌ ‌به‌ أمثل‌ مثلًا بفتح‌ الميم‌ و سكون‌ الثاء، و أمثلته‌ ‌من‌ صاحبه‌ إِمثالًا إِذا قصصته‌ ‌منه‌ و تميم‌ تقول‌: مثلة ‌علي‌ وزن‌ غرفة، ‌ثم‌ ‌قال‌ «وَ إِن‌َّ رَبَّك‌َ لَذُو مَغفِرَةٍ لِلنّاس‌ِ عَلي‌ ظُلمِهِم‌» ‌علي‌ وجه‌ الاخبار ‌عن‌ نفسه‌ بالرحمة بخلقه‌ و التفضل‌ ‌عليهم‌ بأنه‌ يغفر للناس‌ ‌علي‌ كونهم‌ ظالمين‌ و ‌ذلک‌ يدل‌ ‌علي‌ بطلان‌ قول‌ ‌من‌ ‌قال‌ إِن‌ اصحاب‌ الكبائر ‌لا‌ يجوز ‌ان‌ يعفو اللّه‌ عنهم‌ إِلا بالتوبة، لأنه‌ ‌تعالي‌ ‌لم‌ يشرط ‌في‌ ‌ذلک‌ التوبة و ‌من‌ شرط ‌في‌ ‌الآية‌ التوبة ‌او‌ خصها بالصغائر ‌کان‌ تاركاً للظاهر.

و ‌قوله‌ «وَ إِن‌َّ رَبَّك‌َ لَشَدِيدُ العِقاب‌ِ» اخبار ‌منه‌ ‌تعالي‌ بأنه‌ ‌کما‌ يغفر تارة ‌مع‌ الظلم‌، كذلك‌ ‌قد‌ يعاقب‌ ‌مع‌ الإصرار عذاباً شديداً ‌فلا‌ تغتروا بذلك‌ و ‌لا‌ تعولوا ‌علي‌ مجرد العفو لأنه‌ يجوز ‌ان‌ ‌لا‌ يعفو.

‌قوله‌ ‌تعالي‌: [‌سورة‌ الرعد (13): آية 7]

وَ يَقُول‌ُ الَّذِين‌َ كَفَرُوا لَو لا أُنزِل‌َ عَلَيه‌ِ آيَةٌ مِن‌ رَبِّه‌ِ إِنَّما أَنت‌َ مُنذِرٌ وَ لِكُل‌ِّ قَوم‌ٍ هادٍ (7)

آية بلا خلاف‌.

اخبر اللّه‌ ‌تعالي‌ ‌ان‌ هؤلاء الكفار ‌الّذين‌ تقدم‌ ذكرهم‌ يقولون‌ هلا انزل‌ ‌علي‌ ‌محمّد‌ آية يقترحونها مثل‌ ‌ما حكي‌ اللّه‌ عنهم‌ ‌من‌ نحو تفجير الأنهار بحيث‌ سألوا سقي‌ البلاد و نقل‌ جبال‌ مكة ‌عن‌ أماكنها لتتسع‌ ‌علي‌ أهلها و إنزال‌ كتاب‌ ‌من‌ السماء ‌الي‌ ‌الإرض‌ يقرؤن‌ ‌فيه‌ الأمور ‌الّتي‌ دعاهم‌ اليها، ‌فقال‌ اللّه‌ ‌تعالي‌ ‌له‌ ليس‌ أمر الآيات‌ اليك‌ إنما أمرها ‌الي‌ اللّه‌ ينزلها ‌علي‌ ‌ما يعلمه‌ ‌من‌ مصالح‌ العباد «إِنَّما أَنت‌َ مُنذِرٌ» اي‌ معلم‌ ‌لهم‌ ‌علي‌ وجه‌ التخويف‌ ‌لهم‌ معاصي‌ اللّه‌ و عقابه‌، «وَ لِكُل‌ِّ قَوم‌ٍ هادٍ» يهديهم‌ ‌الي‌ الحق‌. و للناس‌ ‌في‌ معناه‌ خمسة اقوال‌: