«اجعَلنِي عَلي خَزائِنِ الأَرضِ» يعني أرضك، و الالف و اللام يعاقبان حرف الكناية، و أراد بذلك الإرض الّتي هي ملكه و يجمع فيها ماله و طعامه، طلب اليه ذلک ليحفظ ذلک عمّن لا يستحقه و يوصله الي الوجوه الّتي يجب صرف الأموال لها، فلذلك رغب الي الملك فيه، لان الأنبياء لا يجوز ان يرغبوا في جمع اموال الدنيا الا لما قلناه. و قوله «إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ» معناه حافظ للمال عمن لا يستحقه عليم بالوجوه الّتي يجب صرفها اليه، و في الآية دلالة علي جواز تقلد الامر من قبل السلطان الجائر إذا تمكن معه من إيصال الحق الي مستحقه.
وَ كَذلِكَ مَكَّنّا لِيُوسُفَ فِي الأَرضِ يَتَبَوَّأُ مِنها حَيثُ يَشاءُ نُصِيبُ بِرَحمَتِنا مَن نَشاءُ وَ لا نُضِيعُ أَجرَ المُحسِنِينَ (56)
آية بلا خلاف.
قرأ «نشاء» بالنون إبن كثير وحده. الباقون بالياء.
من قرأ بالنون، فعلي معني ان يوسف يتبوّء من الإرض حيث يشاء، و طابق بينه و بين قوله «نُصِيبُ بِرَحمَتِنا مَن نَشاءُ»، و يکون علي احد معنيين:
أحدهما- ان تكون المشيئة أسندت اليه، و هي ليوسف، لما كانت بأمره و ارادته کما قال «وَ ما رَمَيتَ إِذ رَمَيتَ وَ لكِنَّ اللّهَ رَمي»[1] فأضاف الرمي الي اللّه، لما کان بقدرته و ارادته.
و الثاني- ان يکون الموضع المتبوإ موضع نسك و عبادة او موضعاً يقام فيه الحق، من أمر بمعروف، او نهي عن منكر، و يقوي النون قوله «نُصِيبُ بِرَحمَتِنا مَن نَشاءُ».