ذلک «فَما كانُوا لِيُؤمِنُوا بِما كَذَّبُوا بِهِ مِن قَبلُ» و يحتمل ذلک أمرين: أحدهما- انهم لم يكونوا ليؤمنوا بما كذبوا به قوم نوح من قبل: من توحيد اللّه و تصديق أنبيائه و الثاني- قال البلخي ما كانوا ليؤمنوا بالحجج و البينات بعد إتيان الأنبياء بها بما كذبوا به من قبل يخبر عن عنادهم و عتوهم.
و قال «كَذلِكَ نَطبَعُ عَلي قُلُوبِ المُعتَدِينَ» معناه إنا جعلنا علي قلوب هؤلاء الكفار سمة و علامة علي كفرهم يلزمهم الذم بها، و تعرفهم بها الملائكة و إنا مثل ذلک نفعل بقلوب المعتدين. و ليس المراد بالطبع في الآية المنع من الايمان، لان مع المنع من الايمان لا يحسن تكليف الايمان. و الطبع جعل الشيء علي صفة غيره بمعني فيه. و المعتدون هم الظالمون لنفوسهم الّذين تعدوا حدود اللّه.
ثُمَّ بَعَثنا مِن بَعدِهِم مُوسي وَ هارُونَ إِلي فِرعَونَ وَ مَلائِهِ بِآياتِنا فَاستَكبَرُوا وَ كانُوا قَوماً مُجرِمِينَ (75)
هذا اخبار من اللّه تعالي انه- بعد إرسال من أرسل من الأنبياء بعد نوح و إهلاك قومه و ما ذكره من انهم لم يؤمنوا به و انه طبع علي قلوبهم عقوبة لهم علي ذلک- بعث ايضاً بعدهم موسي و هارون عليهما السلام نبيين مرسلين «إِلي فِرعَونَ وَ مَلَائِهِ» يعني رؤساء قومه «بآياتنا» اي بأدلتنا و حججنا و انهم استكبروا عن الانقياد لها و الايمان بها «وَ كانُوا قَوماً مُجرِمِينَ» في ذلک مستحقين للعقاب الدائم. و الملاء الجماعة الّذين هم وجوه القبيلة مأخوذ من انهم تملا الصدور هيبتهم عند منظرهم.
و منه
قوله صلي الله عليه و آله في قتلي بدر (أولئك الملاء من قريش).
و الاستكبار طلب الكبر من غير استحقاق فأما المتكبر في أوصاف اللّه فهو الظاهر، فان له علي مراتب الكبر، و هو صفة ذم في العباد و مدح في صفة اللّه تعالي. و الاجرام اكتساب السيئة