هذا خطاب من اللّه تعالي للمؤمنين يعلمهم أن كثيراً من أحبار اليهود و علمائهم و رؤسائهم، و كثيراً من رهبان النصاري ليأكلون أموال النّاس بالباطل من حيث كانوا يأخذون الرشا في الأحكام- في قول إسحاق و الجبائي- و أكل المال بالباطل تملكه من الجهات الّتي يحرم منها اخذه. و قيل في معني «لَيَأكُلُونَ أَموالَ النّاسِ بِالباطِلِ» وجهان: أحدهما- انهم يتملكون، فوضع يأكلون موضعه لأن الاكل غرضهم. و الثاني- يأكلون اموال النّاس من الطعام، فكأنهم يأكلون الأموال، لأنها من المأكول، کما قال الشاعر:
ذر الآكلين الماء لوماً فما أري ينالون خيراً بعد أكلهم الماء[1]
اي ثمن الماء. و قوله «وَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ» معناه يمنعون غيرهم من اتّباع الإسلام ألذي هو سبيل اللّه الّتي دعاهم الي سلوكها. و الغرض بذلك التحذير من اتباعهم و التهوين علي المسلمين مخالفتهم.
و قوله «وَ الَّذِينَ يَكنِزُونَ الذَّهَبَ وَ الفِضَّةَ، وَ لا يُنفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللّهِ» معناه الّذين يخبئون أموالهم من غير ان يخرجوا زكاتها، لأنهم لو اخرجوا زكاتها و كنزوا ما بقي لم يكونوا ملومين بلا خلاف. و هو قول إبن عباس، و جابر، و إبن عمر، و الحسن و السدي، و الجبائي. قال: و هو إجماع. و اصل الكنز كبس الشيء بعضه علي بعض.
و منه قولهم كنز التمر و الطعام قال الهذلي:
لا درّ درّي إن أطعمت نازلكم قرف الحتي و عندي البر مكنوز[2]