فهؤلاء يصدون‌ ‌عن‌ سبيل‌ اللّه‌ ‌بما‌ يدعون‌ ‌النّاس‌ ‌إلي‌ الاعراض‌ عنها ‌من‌ معادات‌ أهلها و قتالهم‌ عليها و تكذيبهم‌ ‌بما‌ جاء ‌به‌ الداعي‌ اليها. و الفرق‌ ‌بين‌ الصد و المنع‌ ‌أن‌ المنع‌ ‌ما يتعذر معه‌ الفعل‌ و الصد ‌ما يدعو ‌الي‌ ترك‌ الفعل‌.

و ‌قوله‌ «وَ اللّه‌ُ بِما يَعمَلُون‌َ مُحِيطٌ» معناه‌ يحتمل‌ أمرين‌: أحدهما‌-‌ انه‌ يحيط علمه‌ ‌بما‌ يعملونه‌. الثاني‌-‌ انه‌ قادر ‌علي‌ جزاء ‌ما يعملونه‌ ‌من‌ ثواب‌ ‌أو‌ عقاب‌.

‌قوله‌ ‌تعالي‌: [‌سورة‌ الأنفال‌ (8): آية 48]

وَ إِذ زَيَّن‌َ لَهُم‌ُ الشَّيطان‌ُ أَعمالَهُم‌ وَ قال‌َ لا غالِب‌َ لَكُم‌ُ اليَوم‌َ مِن‌َ النّاس‌ِ وَ إِنِّي‌ جارٌ لَكُم‌ فَلَمّا تَراءَت‌ِ الفِئَتان‌ِ نَكَص‌َ عَلي‌ عَقِبَيه‌ِ وَ قال‌َ إِنِّي‌ بَرِي‌ءٌ مِنكُم‌ إِنِّي‌ أَري‌ ما لا تَرَون‌َ إِنِّي‌ أَخاف‌ُ اللّه‌َ وَ اللّه‌ُ شَدِيدُ العِقاب‌ِ (48)

التقدير: و اذكر «إِذ زَيَّن‌َ لَهُم‌ُ» يعني‌ المشركين‌ «زَيَّن‌َ لَهُم‌ُ الشَّيطان‌ُ أَعمالَهُم‌» بمعني‌ حسنها ‌في‌ نفوسهم‌ و التزيين‌ ‌هو‌ التحسين‌. و المعني‌ ‌أن‌ إبليس‌ حسن‌ للمشركين‌ أعمالهم‌ و حرضهم‌ ‌علي‌ قتال‌ محمّد، و خروجهم‌ ‌من‌ مكة، و قوي‌ نفوسهم‌، و ‌قال‌ ‌لهم‌ «لا غالِب‌َ لَكُم‌ُ اليَوم‌َ مِن‌َ النّاس‌ِ». تقول‌ غلب‌ يغلب‌ غلبة، فهو غالب‌، و غالبه‌ مغالبة و تغالبا تغالباً و غلبه‌ تغليباً. و الغلبة القهر للمنازع‌، و الملك‌ لأمره‌.

و ‌قوله‌ «وَ إِنِّي‌ جارٌ لَكُم‌» حكاية عما ‌قال‌ إبليس‌ للمشركين‌، فانه‌ ‌قال‌ ‌لهم‌ اني‌ جار لكم‌، لأنهم‌ خافوا بني‌ كنانة ‌لما‌ ‌کان‌ بينهم‌، فأراد إبليس‌ بأن‌ يسكن‌ خوفهم‌، و الجار ‌هو‌ الدافع‌ ‌عن‌ صاحبه‌ السوء أجاره‌ يجيره‌ جواراً. و ‌منه‌ ‌قوله‌ «وَ هُوَ يُجِيرُ وَ لا يُجارُ عَلَيه‌ِ»[1] اي‌ يعقد لمن‌ أحب‌ دفع‌ الضرر عنه‌ ‌من‌ ‌کل‌ احد