هذا خطاب من اللّه تعالي للمؤمنين خاصة يأمرهم بأنهم إذا لقوا جماعة من الكفار لحربهم أن يثبتوا و يذكروا اللّه كثيراً، و يستنصروه عليهم لكي يفلحوا و يفوزوا بالظفر بهم، و بالثواب عند اللّه يوم القيامة. و قد بينا ان معني الايمان هو التصديق بما أوجبه اللّه علي المكلفين أو ندبهم اليه. و الفئة الجماعة المنقطعة من غيرها و أصله من فأوت رأسه بالسيف إذا قطعته. و الثبوت حصول الشيء في المكان علي استمرار، يقال لمن استمر علي صفة: قد ثبت كثبوت الطين. و الذكر ضد السهو، و قد يکون الذكر القول من غير سهو. و الفئة المذكورة في الآية و ان كانت مطلقة، فالمراد بها المشركة او الباغية، لأن اللّه لا يأمر المؤمنين بالثبوت لقتال احد الا من هو بهذه الصفة، و لا يأمر بقتال المؤمنين.
وَ أَطِيعُوا اللّهَ وَ رَسُولَهُ وَ لا تَنازَعُوا فَتَفشَلُوا وَ تَذهَبَ رِيحُكُم وَ اصبِرُوا إِنَّ اللّهَ مَعَ الصّابِرِينَ (46)
أمر اللّه تعالي هؤلاء المؤمنين الّذين ذكرهم بأن يطيعوا اللّه و رسوله، و لا يختلفوا فيضعفوا عن الحرب. و العامل في «فتفشلوا» الفاء الّتي هي بدل من (أن) علي معني جواب النهي كقولك لا تأت زيداً فيهينك، و لذلك عطف بالنصب في قوله «وَ تَذهَبَ رِيحُكُم» عليه.
و قوله «وَ تَذهَبَ رِيحُكُم» معناه كالمثل أي ان لكم ريحاً تنصرون بها يقال ذهب ريح فلان اي کان يجري في أمره علي السعادة بريح تحمل اليها، فلما ذهبت وقف أمره، فهذه بلاغة حسنة. و قيل: المعني ريح النصرة الّتي يبعثها اللّه مع من ينصره علي من يخذله، في قول قتادة و إبن زيد. و قيل: تذهب دولتكم، من قولهم ذهب ريحه، أي ذهبت دولته. في قول أبي عبيدة و أبي علي. و قال عبيد