للمؤمنين أن يأكلوا مما رزقهم حلالًا طيباً، فالرزق هو ما للحي الانتفاع به و ليس لغيره منعه منه. و قال الرماني: الرزق هو العطاء الجاري في الحكم و من ذلک قيل: رزق السلطان الجند إذا جعل لهم عطاء جارياً في حكمه في کل شهر أو في کل سنة. قال الرماني: و كلما خلقه اللّه في الإرض مما يملك، فهو رزق العباد في الجملة بدلالة قوله «هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم ما فِي الأَرضِ جَمِيعاً»[1] و لولا ذلک لجوزنا أن يکون منه ما ليس للانس إلا أنه و إن کان رزقاً لهم في الجملة فتفصيل قسمته علي ما يصح و يجوز من الأملاك، و لا يجوز أن يکون الرزق حراماً، لأن اللّه منع منه بالنهي، فاما البغاة فيرزقون حراماً إذا حكموا بأن المال للعبد، و هو مغصوب لا يحل، قال و ما افترسه السبع رزق له بشرط غلبته عليه کما أن غنيمة المشركين رزق لنا بشرط غلبتنا عليها، لأن المشرك يملك ما في يده، فإذا غلبنا عليه بطل ملكه، و صار رزقاً لنا في هذه الحال، قال: و قد أمرنا بأن نمنعه من الإنسان مع الإمكان، و أذن لنا أن نمنعه من غيره من نحو الميتة و الوحش إن شئنا و يسقط جميع ذلک في حال التعذر علينا.
و عندي أنه لا يجب أن يطلق أن ما يغلب عليه السبع رزق له بل إنما نقول: إن رزقه ما ليس لنا منعه منه فأما مالنا منعه منه إما بأن يکون ملكاً لنا أو أذن لنا فيه، فلا يکون رزقاً له بالإطلاق، و قد يسلط اللّه السبع علي بعض المشركين فيكون رزقاً له و عقاباً للمشرك، و الأصل فيه قوله تعالي «وَ ما مِن دَابَّةٍ فِي الأَرضِ إِلّا عَلَي اللّهِ رِزقُها»[2] فمفهوم هذا أنه رزقه بشرط الغلبة عليه.
فان قيل: إذا کان الرزق لا يکون إلا حلالًا فلم قال: (حلالًا)!
قيل: ذكر ذلک علي وجه التأكيد کما قال «وَ كَلَّمَ اللّهُ مُوسي تَكلِيماً»[3]